كمال أبو النور - جواز سفر إلى الجحيم.. شعر

السنواتُ تسقطُ كقطراتِ ماءٍ
من صنبورٍ تالفٍ
لم أختر طريقي
الصدفةُ وحدَها كانت دليلي الأعمى
سئمتُ من ملابسي وطعامي وحجرتي
وهُويَّتي ورقمي القومي
أنا خائفٌ من كل شيءٍ
خائفٌ من اسمي وتاريخِ ميلادي
وذكرياتي وأصدقائي
لاأعرفُ من أيِّ اتجاهٍ تأتي اللطماتُ المتواليةُ
الخساراتُ لاتستريحُ ولاتغمضُ عينيها قليلا
لا تتركُ بابا أو نافذةً أو ثقبا للخروج
الخياراتُ معدومةٌ وثيابي نُهِبَت كلُّها
أقفُ عاريا من غيرِ ضجرٍ
أبتسمُ في وجهِ الطلْقةِ
وهي تخرجُ من فمِ القَدَرِ
فتمدُّ السماءُ ذراعيها لتتلقفَني قبلَ السقوطِ
*****
عشرون عاما وأنا أتناولُ طعاما فاسدا
عشرون عاما أحاولُ إزالةَ
دماءِ حبيبتي الملتصقةِ بين فخذَيَّ
عشرون عاما أعيشُ حياةً سريةً لاملامحَ لها
ألم يحنِ الموعدُ لمغادرةِ المنزلِ
لتناولِ وجبةٍ طَازَجةٍ
مع شمعةٍ تتأوَّهُ وهي تحترقُ
تصاحبُها صرخاتٌ وحباتُ عرقٍ
وجنينٌ يُولَدُ من دقاتِ قلبٍ
كادَ أن يتوقَّفَ من الصدأ
*****
الإنسانُ الآلةُ لاينامٌ ولا يبتسمُ ولايحبُّ
إنهُ يجتهدُ كثيرا كي يتعلَّمَ من الحيوانِ
تحوَّلَ قلبُ الإنسان إلى حجرٍ صَلْدٍ
أنا آلة صنعَتها امرأةٌ
وقلبي حجرٌ صنعَته الحياةُ القاسيةُ
الفرصُ محطاتٍ فائتةٍ
والتحدُّثُ بلغةِ الوردةِ يتلاشى
والفوضى هي المخرجُ الوحيدُ
للخروج من لعنة الجسدِ الواحدِ
والطريقِ المكرَّرِ والقبلةِ المُستهلَكةِ
الأيامُ تعيدُ نسخَ أحداثِها
بدونِ تغييرٍ في العناويينِ ولا الأغلفةِ
*****
أنا غصنٌ مجروحٌ معلقٌ في الهواءِ
ماتَت شجرتُهُ في أوَّلِ شبابِها
الغصنُ صار شجرةً مجروحةً
والشجرةُ مكبَّلةٌ تعجزُ عن الهربِ
العصافيرُ تقبِّلُها كلَّ صباحٍ
وتنامُ في أحضانِها بالمساءِ
كبرَتِ العصافيرُ واكتملَت أجنحتُها
فغادرَت لتبنيَ لنفسِها أعشاشا
آن للشجرةِ العجوزِ أن تستعيدَ عافيتَها
*****
السعادةُ بخيلةٌ والحزنُ يفيضُ بالكرمِ
وقلبي لايتنازلُ مطلقًا عن السعادةِ
يشتريها من وجوهِ المجروحينَ
من أظافرٌ الحياةِ
هؤلاء هم أكسجينُ الرجوعِ للصفحةِ الأولى
*****
الأبيضُ خرجَ من رحمِ الأسودِ
الساحرُ ينتفضُ ويداهُ تمرَّدَت
ماعادَت ترتعشُ
وقدماهُ تستعدُّ للسيرِ على خيطِ واهنٍ
الجنةُ خدعةٌ ابتكرَها الموتى
والتفاحةُ جوازُ سفرٍ إلى الجحيم
-----------------------
( كمال أبو النور )

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى