صلاح عبد العزيز - طالما لسانك فى فمى..

سأشتاق حتما للسانك الطويل إننى لا استحق بعدك أن أخرج من شرنقتى أعنى فكرتى فى امتصاصه كلما خرج من تلك الحديقة ولك أرض أيضا كيف تبعدنى أنا صاحب محراث سأدنو بحذر فى شقوقها ذلك الخد الناعم أنا من مسحته بيدى فأصبح زلقا .
أبعدتنى وقربتنى التناقضات ما لم تكن نظرة الحياة منك لك جبال شاهقة ونهر ولى أحجار فى البعيد وبحر وعندما أقمت جسرى قضينا فى المنتصف وقتا لا بأس به فى حديقتك كنت زهرة وكنت نحلة وكان عمرى رملا فى يديك المدربتين ولم أعلن عصيانا قط .
مأسور إذن يا لفرحتى لم أقع من شجرة أمنياتى بل زودتنى العصافير بأسرارها والبقرة بسرسوب لبنها وتلك الجزائر بحنطتها أرانى سيدك يا سيدتى لنا غرفة وثيرة ولنا سماء ومطر وواحات وتمائم من صنع نجارين وسابكى المعادن ونخيل مثمر .
لا تغيب الأقمار إلا بإذنك ولا تشرق شمس إلا بابتسامتك لك يسجد القديسون وفى فلك الليل والنهار أدور فى ساقية جسدك أرعى حقولك الباهرة وأستقبل الضيوف والقبائل فى كل مرة يعودون أو لا يعودون سحابة الفرح تظلهم أينما كانوا .
وعلى ذلك نشأتُ الفصول كما هى لا تتبدل تاريخ حافل بالقبلات ويسرنا جسد واحد وحديقة يشقها المحراث والسلام الأبدى لستُ فى حاجة لبناء أضرحة ولا فى شوق لسفر ولن يفصل بيننا هواء بل إلى أبد الآبدين طالما لسانك فى فمى أتكلم به.
بما يعنى ملاذ التائهين تعالوا من كل الجهات أيها المشردون هنا دنان وعصير كرم وحقول حنطة فى ذلك العالم الموغل فى الغرابة لا يتبقى سوى نقش على الحجر تعالوا لشجرة الحياة قبل نهاية النص بقليل يجب أن أعترف هى وأنا جسد واحد .
ارسلت لك الطيور تحط على شجرتك واحتفظت بالجوارح كل نباتاتى جعلتها عشبا تحت قدميك عبدت لك الطريق سويته بالحجر لقدميك كل من مشى فيه لا يتعثر زرعته بأشجار الحناء والتوت والجميز والخروع مددت قنواتى لكل جسدك.
حتى الصحراء كانت ذهبا ومصدات لشعوب متوحشة فى أحضانى كل ليلة يغمرنى شعرك الطويل تمر الرياح من كل نوافذك لكنما العواصف فى حضرتك مؤدبة ولكل عضو من أعضائك وصلت مياهى وأنا بنوّاتى أترفق وبشمسى لا أتأخر .
الدهر كمن يقود لك الجيوش الكثيرة وفوق قوس قزح كانت انتصاراتى باهرة وبلا دماء تقريبا تستقرين بلا عبيد وبلا أسياد وبلا قادة بل أنا السيد الوحيد فى البيت وفى الفراش وأبو الأولاد وأنا غطاؤك فى الشمس وسريرك فى الليل أغسل قدميك كل صباح .
قلت سأشتاق للسانك كنت أعنى ذلك تماما كلامك نقش غائر وشم بما يتكلم اللسان على جسد أنا أرضك ومحراثك ولسانك فى المناسبات اختراع لغة قبل اللغات أنا اللسان والأنف والحنجرة قلت سأشتاق كنت أعنى ذلك تماما كجسد واحد .
كل اتحاد بشوق تحلق الجوارح فى سمائى صقر ملكى وعقاب وطيور أرض وبيوض تماسيح وفرس نهر وشلالات هادرة وقوس فى السحاب ينزل احتفاء مومياوات كلى فيك كلك فىّ ولا أحد غيرى فى البرية مع الطيور الجوارح أهبط على كفك .
للفراغ وسط النص مأدبة كبيرة عشاؤنا الليلة فوم وبصل باذخ وكراث وعدس ما ليس تنتجه الحقول الغريبة سنشرب الجعة بالزبيب وتزدهر حقول الشعير سنعد مائدة للبدو وللشعوب الفقيرة جميل أن نلتم على طبلية من خشب الجميز تبتسم .
ما قبل النص كان الفراغ كبيرا ليس لى هزائم مطلقا صحيح أننى تعريت ليس بخاطرى كنت هناك فى الفراغ حيث تنكشف الأشياء كل ميلاد بعرى وكل فوضى تنتظر الزوال إلى العدم كنتُ وملابسى متسخة على حبل غسيلك قبل الغروب بقليل .
هوية الفراغ ما بين مقطع ومقطع أقل مما بين نص ونص حيث كل الزوايا دوائر وخطوط ليس لى نقطة فى الفراغ تتصادم النجوم والكواكب وتنفجر شمس وملابسى على حبل غسيلك يتباعد بينى وبينها الزمن فى الفراغ وضعت نقطتى .
أنت أيضا كنت خارج الفراغ سيدة لكل الفراغات فى العماء كنا وانبثقنا ليس كل عماء بعماء وليس كل فراغ بفراغ صنعت من الشعير شرابا ومن الكروم خمرا وزرعت الثوم للأمراض كلها وما بين عماء وعماء وفراغ وفراغ احتوينا على الشعوب كلها وانبثقنا.
تهيأتُ للظلمة المحتملة
جاءت إلىّ الغابةُ
أعطتنى بضع أخشاب
جاء حجران من الصوان
واشتعلا معا
فى فكيه جاء كلب بعشب جاف
ومن أجلى عصر نفسه الكتانُ
تجمعت ركوة النيران من تلقاء نفسها
قُلَّةُ الماء معى
خبزى معى
عصاى ومفتاح كنزى
جلست على بوابة الصحراء انتظر
كل الأجناس من يفك اللغز
لها الطاعة العمياء
أنت سيدة المصانع
وسيدة الدول وبك الضوء الأول
لا لم يكن مثلك
والعراء بيدى تشكله الأصابع
انصهارات الحجارة فى الباطن
تَشكل الملامح
صعود الجبال من جذرها
مهدت لك الممرات
أفراح الرعاة بدلاء الماء
لمة الأطفال حول الحكايات فى الأسواق
والبيع والشراء
كل قَسمٍ بك حفرته فى الصخور
الشعوب وقت المجاعات تأتى
تترك سلالتها
ومن سلّاتك ما يكفيهم أخذوا
فى فخارك عجنت كل السلالات
أنا صانع الفخار والسلال زارع التوت
و الصفصاف حاصد اللبان فى اليمن
والصمغ فى السودان
وجالب الخير فى الصومال
صانع الآلهة منذ الأزل
ومجرى النهر الكبير
وعلى بابك الحارس الأمين


صلاح عبد العزيز

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى