المكّي الهمّامي - كَأَنِّي ابْنُهَا الضَّالُّ..

مُحْتَمِيًا بالجُذُورِ،
اخْتَبَأْتُ من المَوتِ..
حاوَلْتُ أَنْ أتنفَّسَ رُوحَ المكانِ،
وأَستنطِقَ الصّمتَ فيهِ..

وحَاوَلْتُ أَنْ أتخبَّأَ منِّيَ،
في جَوْفِ خرُّوبةٍ،
وأُحِسَّ بنفسِيَ فيها،
كأنِّي ابْنُها الضَّالُّ آبَ إليهَا، هَوًى..
جَسَدي يَتَداخَلُ في لحمِها..
ودمِي نُسغُها..
وخطاطيفُ شوقي تَطَايرُ
في كونِها الرَّطْبِ، ذاهِبَةً، عَالِيَا..!

كنتُ أبحثُ في جوفِها،
عن هُنَيْهَةِ حريَّةٍ، في زمانِ الرَّمادِ
(اخْتَنَقْتُ بأَوْهامِهِ..!!!)
كنتُ مُنتَبِذًا،
داخلَ الجِذْعِ،
كَيْنُونَتي أتأمَّلُها، عاشِقًا قلِقَا..!

وأَرَى، في متاهتِها، ما أراهُ..
أرى بَصْمَتي تتشكَّلُ،
في جلدِها الخَشبيِّ الحنونِ..
ووحدي،
معي،
معَها،
أرفعُ الحُجُبَ الغاوياتِ
عن السِّرِّ فيها، وفيَّ،
وأعرفُني (مَنْ أنا..؟!)

الكائنُ البشريُّ المُحاصَرُ بالإثْمِ،
في كلِّ شَيْءٍ، أنا.. الولدُ الكهلُ
أبحثُ عن مَهربٍ من دمي،
(لوَّثته الحداثةُ، مسمومَةً)؛
وأفتِّشُ، بينَ اخْضرارِ الوُرَيْقاتِ،
عن نَفَقٍ أَستعيدُ بِهِ صَرْخَتي،
في وِلادَةِ نفسِيَ مِنْ نفسِها..

(من أنا..؟!)
وأنا طينةٌ تَتَهجَّى خيوطًا من النُّورِ
أو أسطرًا ودوائرَ مرسومَةً
في كتابِ التُّرابِ.. أنا المطلْقُ الأبديُّ المحاصرُ في طينَتي.. أتشقَّقُ،
كي يتسرَّبَ في ظُلْمَتي الفجرُ،
كي أتشرَّبَ ماءَ المُنَى والخلاصِ..
(أنا..!!! مَنْ أنا..؟!؟)

كنتُ، كالطِّفلِ، في جوفِ خرُّوبتي..
أتفيَّأُ ظلاًّ يميلُ.. وأشتمُّ
صَمْغًا يَسيلُ على صدرِها..
كنتُ محتميًا بأصابعِها العاطفيَّةِ
سَكْرى تُلاعِبُني،
وهي تُرضِع روحي الشَّرُودَ
حليبَ السَّكينةِ.. تمنحُني
أملا خافِقا في النَّجاةِ من العصْرِ،
أَغبرَ يَعصفُ بِي..

اَلْجذورُ احتمالُ الولادةِ،
في كلِّ حينٍ.. سماءُ التَّجدُّدِ
مِنْ رَحِمِ القِدْمِ، دوما..
وخرُّوبتي،
وهي تَكبرُ في داخلي، موطني،
حيثُ، محتميًا بالجذورِ،
أقاومُ من سرَقوا أملي في الحياة..!

الطَّبيعةُ سيِّدَةٌ حرَّةٌ لا تخونُ..
وطيِّبةُ القلْبِ.. غابيَّةُ الرُّوحِ..
شفَّافةٌ كالقصيدَةِ
بين أصابِعِ شاعرِها..
وهي تُتْقِنُ إعدادَ قهوَةِ أحلامِنا،
في صباحِ الطُّفولَةِ..
هذي الطَّبيعَةُ
تَزْرَعُني فرصَةً للبَقَاء..!
(ملاحظة: الزّيتونة في الصّورة معادل دلاليٌّ للخرّوبة في النّصّ)


☆ المكّي الهمّامي ☆
(منزل الجميل- تونس)

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى