زياد خداش - قهوة

راقبته طويلاً من الرصيف الـمقابل، بائع القهوة الـمتجوّل، شاب ضرير ونحيل وقصير في الثلاثين من عمره تقريباً، كان يقف أمام واجهة مقهى ركب الزجاجية، صوته وهو ينادي على الناس يبعث على الغيظ؛ فهو مضحك ومبكٍ ونسائي في آن. قهوة قهوة قهوة، يتوقف قليلاً، ينظر إلى اللاشيء، أو ينتظر اللاشيء، ثم يتابع: قهوة قهوة قهوة. لا أدري لـِمَ أحسست أن لا شيء معه سوى فناجين فارغة وصوت نيِّئ وعينين مظلـمتين ويأس كثير ووقت أكثر. قهوة قهوة قهوة، اقتربت منه قائلاً: “ممكن فنجان قهوة لو سمحت؟” رأيته ينظر إلى رائحتي باستهتار، وسمعته يهمس: “لـم يبق للأسف قهوة، تعال غداً. قهوة قهوة قهوة”. ضحكت بصوت عال، وابتعدت، ما أغرب هذا الشاب! لـِمَ يصيح قهوة قهوة، إذا كانت دلّة قهوته فارغة؟.
في طريقي شبه الـمهجور إلى قهوة هجرتني: رأيتني أردد معه بصوت عال: قهوة قهوة قهوة، لـم يكن معي شيء مما أنادي عليه أو له أو به، لـم يكن معي حتى فناجين أو بشر أو مدن، كنت مثله تماماً أغني يأسي.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى