فاتن
لمْ يعدْ التجاهلُ مجدياً، كما أنّ الصدَّ يزيده إصراراً ورغبةً.
هاهي رسالةٌ جديدةٌ في بريدي الالكترونيّ، يمكنني أن احزرَ سلفاً مصدرها حتى قبل فتحِ علبةِ البريدِ، كعادته كلّ صباح.
العباراتُ ذاتها يرددها بطريقةٍ تزيدني نفوراً، و الغزلُ الممجوجُ الذي لديّ يقينٌ أنه قاله لسواي مرّاتٍ و مرّات :
"أما آن أن تليني و ترقّي، لصبٍّ في هواكِ، غير التفاح الناضج حلفَ ألا يذوق "
وأكاد أسمعُ صليلَ الرغبة في دمه :
"تعالي قبل حلولِ الخريفِ، فعمّا قريب يولّي زمنُ النضجِ، يبهتُ اللونُ وتتلاشى الرائحةُ ويصبح المذاقُ الطازجُ كريهاً، فتسقطين وحيدةً متعفنةً، كأنك ما زهوت على غصنِ الحياةِ الأخضر".
برأسي الصغيرِ لمعتْ فكرةٌ عاجلتها بقرارٍ سريعٍ.
أناملي ترقصُ بخفّةٍ على لوحة المفاتيحِ، والحروفُ شهبٌ تتساقط على الفراغِ الأبيض، و الوعدُ أبوابٌ مشرعةٌ لعاشقِ الوهمِ الذي لا يشبع.
" لا بأس، انتظرني، سيأتيك ردّي بعدَ ثلاثِ ليالٍ سويّا "
لا أعلمُ كيف مرّت تلك الليالي عليه، في احتراقه شوقاً للثم وضمّ، و لا النارُ التي اشتعلت في سريره، ولا إحساسه الخفيّ بالنصرِ كصيادٍ أفلحَ في قنصِ غزالته الطريدة.
لكني أعلمُ أن التفاحةَ الناضجةَ إن قضتْ أمراً فعلته.
كجنيّة تسللتُ إلى حاسوبه، أجريتُ بلمحِ السحرِ عمليةَ استعادةٍ لكلّ ما في سلة المحذوفاتِ من أعقابِ التفاحِ الأخضرِ المقضومِ و رسائلِ الاشتهاء، و أعدتُ إرسالها من جديد عقباً عقباً إليه.
بعد ثلاثِ ليالٍ سويّا، بلغني أنه كرهَ التفاحَ عن بكرةِ أبيه، وصارَ محرّماً بعرفه كفاكهةٍ تؤجّجُ الرغبة وتثيرُ الفتنة، و الكثيرون لشيخ تحريم التفاح على إثره ماضون .
سلاڤ
سأقصّ عليك حكايتي يا حضرة الأديبة من الآخر وصولاً لنقطة البدء لعلك تجدين بها ما يستحقّ أن يضمّه كتابك..
وليست قصتي بأحسن القصص تطرب لها الأذن وتتوق لتفاصيلها النفس، بل هي كسواها من حكايات بلدنا مرّة المذاق ناشزة الوقع، تجترّ عبر الزمن من قبل الجواري.. حتى كأنها بلا نهاية.
الآخر .. هو ما حدث قبل ساعات.. حين مررت بمحل الزهور لأحضر لك باقة نرجس لعلمي أنك من عشّاقه .. فرمقني البائع بذات نظرة الريب التي ينظر إليّ بها الجميع على اعتباري مطلّقة .. و رأيت شياطينه توسوس له أنني أشتري الورود لموعد غراميّ .. فيما عيناه تسبران تفاصيلي بشهوة مقرفة.
وفي عودة أبعد قليلاً .. ذهبت منذ شهور بأوراقي للتقديم على وظيفة .. ومعي شهادتي الجامعية ووثائق تؤكّد خبراتي المتعددة.
لكن عينيّ المدير لم ترى أيّاً منها بل راحتا تنتقلان مابيني وبين كلمة مطلَّقة .. فقد وجد في الكلمة ضالته المنشودة
ولم يتوقع أن يكون نصيبه بعد أيام صفعة تليق بدابّة يرتدي ربطة عنق.
هل أعود أكثر فأكثر للوراء .. للحظة قراري الانفصال وطلب التفريق..
هل أعود لوشوشات النسوة ونسج الحكايا وهنّ الأكثر ظلما وانطفاء.. أو لندب الأم التي لا تدري كيف ستواجه المجتمع بما اقترفت ابنتها .. أو لشرف الأخوة وفرض الحظر والمنع .. خوفا على سمعة مهلهلة .. فكأنّ الطلاق انتقال من سجن لآخر .. أو لشفقة الأصحاب.. والمواساة بكلمات بائسة تزيد الظلام حلكة.
وهل كانوا سيسمعوني لو قلت أن المصطلح برمّته باطل .. لأن هناك أيضا مطلِّقة بكسر اللام.. كما هناك مطلَّقة..
لأنه فعل إن كان أحادي الجانب .. فهو بيد الزوج أو الزوجة ولا دخل لمسألة العصمة هنا.
وهيهات يكون اتفاقاً كما يليق بإنسانيتنا.. وكما يحصل الزواج بالتراضي.. يكون التفريق.
اكتبي .. يا صديقتي اكتبي
اكتبي عن دفتر العائلة الذي كرّم المرأة بجعلها الزوجة الأولى أو الثانية أو الثالثة أو الرابعة.....
اكتبي عن زوجة ثانية وجدتها يوما قد صارت على الدفتر .. فمزقت ورقتي إكراما لها ولي..
اكتبي عن اهجروهن بالمضاجع كعقاب .. وكأن المضجع جائزة من الزوج للزوجة.. وحريّ بالمرأة أن تهجر إن عاد زوجها سكراناً يطالبها بحقوقه فلا يقال لها إن اعترضت إلا اصبري فللزوجة أن تطيع زوجها حفاظا على الأسرة.
اكتبي عن اضربوهن .. فالعصا لمن عصا.. ولا تسألي عن رضوض ستشفى مع الزمن .. بل ضميني لأنسى رضّ القلب ..
أجل .. يا صديقتي .. لقد تزوجته بعد قصة حب عاصفة دامت لسنوات .. وكنت سعيدة بكل ما أقدمه باسم الحبّ .. بدءاً من قبولي به بلا مهر أو ضمان إلى تركي عملي والتفرغ لرعاية أطفال هذا الحبّ.
ثم توالت التنازلات .. لأجدني وجها لوجه أمام عبارة قالها حين ذكرته بتضحياتي.. "أنت من رمت نفسها عليّ .. ويمكنك أن تغادري متى شئت .. "
هل أعود بك أكثر فأكثر إلى بيت أهلي
إلى مورثات الضعف .. وتربية الخجل .. و أخلاق الوهم .. و أسطورة الحبّ ..
ام أكتفي بالقول
هو لم يكن قويّاً .. أنا التي كنت الضعيفة.
لمْ يعدْ التجاهلُ مجدياً، كما أنّ الصدَّ يزيده إصراراً ورغبةً.
هاهي رسالةٌ جديدةٌ في بريدي الالكترونيّ، يمكنني أن احزرَ سلفاً مصدرها حتى قبل فتحِ علبةِ البريدِ، كعادته كلّ صباح.
العباراتُ ذاتها يرددها بطريقةٍ تزيدني نفوراً، و الغزلُ الممجوجُ الذي لديّ يقينٌ أنه قاله لسواي مرّاتٍ و مرّات :
"أما آن أن تليني و ترقّي، لصبٍّ في هواكِ، غير التفاح الناضج حلفَ ألا يذوق "
وأكاد أسمعُ صليلَ الرغبة في دمه :
"تعالي قبل حلولِ الخريفِ، فعمّا قريب يولّي زمنُ النضجِ، يبهتُ اللونُ وتتلاشى الرائحةُ ويصبح المذاقُ الطازجُ كريهاً، فتسقطين وحيدةً متعفنةً، كأنك ما زهوت على غصنِ الحياةِ الأخضر".
برأسي الصغيرِ لمعتْ فكرةٌ عاجلتها بقرارٍ سريعٍ.
أناملي ترقصُ بخفّةٍ على لوحة المفاتيحِ، والحروفُ شهبٌ تتساقط على الفراغِ الأبيض، و الوعدُ أبوابٌ مشرعةٌ لعاشقِ الوهمِ الذي لا يشبع.
" لا بأس، انتظرني، سيأتيك ردّي بعدَ ثلاثِ ليالٍ سويّا "
لا أعلمُ كيف مرّت تلك الليالي عليه، في احتراقه شوقاً للثم وضمّ، و لا النارُ التي اشتعلت في سريره، ولا إحساسه الخفيّ بالنصرِ كصيادٍ أفلحَ في قنصِ غزالته الطريدة.
لكني أعلمُ أن التفاحةَ الناضجةَ إن قضتْ أمراً فعلته.
كجنيّة تسللتُ إلى حاسوبه، أجريتُ بلمحِ السحرِ عمليةَ استعادةٍ لكلّ ما في سلة المحذوفاتِ من أعقابِ التفاحِ الأخضرِ المقضومِ و رسائلِ الاشتهاء، و أعدتُ إرسالها من جديد عقباً عقباً إليه.
بعد ثلاثِ ليالٍ سويّا، بلغني أنه كرهَ التفاحَ عن بكرةِ أبيه، وصارَ محرّماً بعرفه كفاكهةٍ تؤجّجُ الرغبة وتثيرُ الفتنة، و الكثيرون لشيخ تحريم التفاح على إثره ماضون .
سلاڤ
سأقصّ عليك حكايتي يا حضرة الأديبة من الآخر وصولاً لنقطة البدء لعلك تجدين بها ما يستحقّ أن يضمّه كتابك..
وليست قصتي بأحسن القصص تطرب لها الأذن وتتوق لتفاصيلها النفس، بل هي كسواها من حكايات بلدنا مرّة المذاق ناشزة الوقع، تجترّ عبر الزمن من قبل الجواري.. حتى كأنها بلا نهاية.
الآخر .. هو ما حدث قبل ساعات.. حين مررت بمحل الزهور لأحضر لك باقة نرجس لعلمي أنك من عشّاقه .. فرمقني البائع بذات نظرة الريب التي ينظر إليّ بها الجميع على اعتباري مطلّقة .. و رأيت شياطينه توسوس له أنني أشتري الورود لموعد غراميّ .. فيما عيناه تسبران تفاصيلي بشهوة مقرفة.
وفي عودة أبعد قليلاً .. ذهبت منذ شهور بأوراقي للتقديم على وظيفة .. ومعي شهادتي الجامعية ووثائق تؤكّد خبراتي المتعددة.
لكن عينيّ المدير لم ترى أيّاً منها بل راحتا تنتقلان مابيني وبين كلمة مطلَّقة .. فقد وجد في الكلمة ضالته المنشودة
ولم يتوقع أن يكون نصيبه بعد أيام صفعة تليق بدابّة يرتدي ربطة عنق.
هل أعود أكثر فأكثر للوراء .. للحظة قراري الانفصال وطلب التفريق..
هل أعود لوشوشات النسوة ونسج الحكايا وهنّ الأكثر ظلما وانطفاء.. أو لندب الأم التي لا تدري كيف ستواجه المجتمع بما اقترفت ابنتها .. أو لشرف الأخوة وفرض الحظر والمنع .. خوفا على سمعة مهلهلة .. فكأنّ الطلاق انتقال من سجن لآخر .. أو لشفقة الأصحاب.. والمواساة بكلمات بائسة تزيد الظلام حلكة.
وهل كانوا سيسمعوني لو قلت أن المصطلح برمّته باطل .. لأن هناك أيضا مطلِّقة بكسر اللام.. كما هناك مطلَّقة..
لأنه فعل إن كان أحادي الجانب .. فهو بيد الزوج أو الزوجة ولا دخل لمسألة العصمة هنا.
وهيهات يكون اتفاقاً كما يليق بإنسانيتنا.. وكما يحصل الزواج بالتراضي.. يكون التفريق.
اكتبي .. يا صديقتي اكتبي
اكتبي عن دفتر العائلة الذي كرّم المرأة بجعلها الزوجة الأولى أو الثانية أو الثالثة أو الرابعة.....
اكتبي عن زوجة ثانية وجدتها يوما قد صارت على الدفتر .. فمزقت ورقتي إكراما لها ولي..
اكتبي عن اهجروهن بالمضاجع كعقاب .. وكأن المضجع جائزة من الزوج للزوجة.. وحريّ بالمرأة أن تهجر إن عاد زوجها سكراناً يطالبها بحقوقه فلا يقال لها إن اعترضت إلا اصبري فللزوجة أن تطيع زوجها حفاظا على الأسرة.
اكتبي عن اضربوهن .. فالعصا لمن عصا.. ولا تسألي عن رضوض ستشفى مع الزمن .. بل ضميني لأنسى رضّ القلب ..
أجل .. يا صديقتي .. لقد تزوجته بعد قصة حب عاصفة دامت لسنوات .. وكنت سعيدة بكل ما أقدمه باسم الحبّ .. بدءاً من قبولي به بلا مهر أو ضمان إلى تركي عملي والتفرغ لرعاية أطفال هذا الحبّ.
ثم توالت التنازلات .. لأجدني وجها لوجه أمام عبارة قالها حين ذكرته بتضحياتي.. "أنت من رمت نفسها عليّ .. ويمكنك أن تغادري متى شئت .. "
هل أعود بك أكثر فأكثر إلى بيت أهلي
إلى مورثات الضعف .. وتربية الخجل .. و أخلاق الوهم .. و أسطورة الحبّ ..
ام أكتفي بالقول
هو لم يكن قويّاً .. أنا التي كنت الضعيفة.