كاملة بدارنة - الصّبّار

اعتاد أبو صابر أن يستظلّ وأصدقاءه بظلّ شجيرة الصّبار؛ لارتشاف القهوة ومتابعة آخر الأخبار .
كانت شمس ذلك الصّباح كاوية، حين جلس ينتظر أصدقاءه، فلم يأتوا.
لفت انتباهه أنّ ألواح الصّبار قد احتلت مساحة واسعة من حاكورة الدّار، إضافة للجدار . . أحضر الفأس، وبدأ بقطع الألواح المتدليّة بشكل عشوائيّ؛ مخاطبا الشّجيرة :
لقد احتميتُ بك يوم نَكْبَتي، واختبأتُ تحت ألواحك يوم نَكْسَتي. ومذ ذاك، وأنا أتغذّى على ثمارك، وأتظلّل بظلالك ...
هاجت به الذّكرى وماجَت.. ازداد وجيبُ قلبه، وازدادت ضرباته العشوائيّة للألواح، وإذ بالأشواك تنغرس في يديه، فيبدأ بالولولة والزّمجرة :
تبّا لك ولأشواكك! لا أطيق رؤيتك .. وراح يداوي جراحه...
عاد متعبًا بعد بضعة أصباح، وقد عصبَ النّدم مشاعره؛ ليرتشف القهوة حيث اعتاد، فوجد وردة جوريّة عملاقة تحتلّ المكان بأزهارها الصّفراء، ورائحتها العبقة...
أصابه الذّهول والاندهاش... اقترب ويداه لوجهه لاطمة؛ فوجد أن جذور الصّبار لا تزال في أعماق الأرض ضاربة؛ مستبدلة بالألواح والثّمار النّاضجة، الأزهارَ الفاقعة. فدوّى صوته وهو محتضِنٌ ساقَها نادما ومعاتبًا:
لمَ فعلتِ بي هذا أيّتها الحاضنة ؟ فأنا لم أقصد إيذاءك، وإنكار فضلك!
فهمست له: أنا هي أنا... ولا أزال لك حاضنة... لكنّ نفسك هي التّيّاهة الشّاردة!



كاملة بدارنة

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى