عبد الرحمن مقلد - يـــا ماريـــــا.. شعر

أبٌ لا ينامُ
خذيه لحِضِنِك
حتى يُخَلَّد في النومِ..
لا تتركيه على حاله
غائبًا في الهَواجسِ
ينظرُ للسقفِ
يسمعُ صمتَ البنايةِ
يتبعُ خَيْطًا نما في الجِدارِ
ويرقبُ من يدفعُ البابَ
أو يكسرُ النافذة..

***

لا تتركِيه على رَوْعِه
فإن أبًا لابنةٍ تَتثاءبُ مثلك
لا ينبغي أن ينازعَه النومُ في ملكِه..
ولا تذْهَبي قبل إغراقِه في البراءةِ
حدَّ النحيبِ..
خُذيه إلى ضِفةٍ في حنانِك
ثم ذريه هناك
يقصُّ عليك
فإن لديه من القَصَصِ الحُلْوِ
ما يتقافزُ حتى الصباح
ولا ترجعي
إن تَثَاءبَ
أو أكلَ الطيرُ من رأسِه
أو بدا مُتعبًا وحسيرًا

***

اطلبي أن يغنيك:
«يا ماريا...»
يا ابنةَ الأُغْنِية
التي وُلِدْتْ في الغمامِ
ورَبَيْتُها
مثلما صَادَفَتْها القصيدةُ في الحُلِمِ
مَعشوقةً حُلوةً
«يتفيا بعينيك نيسانُ»
والخصلُ الذهبيةُ تمتدُ حتى الأعالي ..

أبوك الذي باتَ يحرسُ نَبْضَاتِ قلبك
حتى يجيء نهارٌ
به تُصبحين
- مكللةً بالقصائد -
حاميةَ الشعراءِ..
أبوك تَنَاهُشُه صَرخاتُ البَريةْ
وقد روعتُه الحوادثُ
والسنواتُ الأخيرةُ
والحربُ والطائراتُ
وقصفُ البيوتِ على أهلها..
وقد راقبته العيونُ
وكان رهينًا لديهم
وقد غلبته الهزيمةُ
وانفرط القلبُ ثم تصدعَ
كلُّ رضيعٍ يموتُ على الصدرِ
والجَثُثُ الهارباتُ
من الجَارِفَات
الرؤوسُ التي تتطايرُ بالسيفِ
والنسفُ
واللغمُ الفخُ
والنفخُ حتى تكونَ
البطونُ
بلالين
يفقأها الجندُ
كسرُ العظامِ
الزحامُ الذي يتهاوى
بقنبلةِ الغازِ..
السدودُ على النَهَر
حَجْرُ المياه
احتدامُ المناخ
انتفاضُ المُحيطِ على المتوسطِ
جرفُ البيوتِ القديمةِ في السيلِ
أناتُ غرقى
تطاردُني يا ابنتي
وهمُ يخطفون الهواءَ الأخيرَ
ولا يقدرون على الصَرخاتِ من الرعُبِ..

***

اطلبي لي السلامَ من الرَّبِ
حتى أنامَ..



عبد الرحمن مقلد
  • Like
التفاعلات: فائد البكري

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى