عبد الرحمن مقلد - ما فعل الجنرال.. شعر

بل يُوشكُ الجنرالُ أن يبكيه فعلُ الوقتِ
"لا أتحملُ البردَ الشديدَ
ولا الرطوبةَ والعواصفَ ..
خانني التوفيقُ
لو عاد الزمانُ فربما سأكون أعقلََ"

يجلسُ الجنرالُ في المقهى
وحيداً
ممسكاً في راحتيه الشاي ..
رائحةُ القرنفل وحدها
تبقيه حياًً
ساخراً من نفسه ومن البقاءِ
"خسرتُ ما ربحتْ يداي
.. ربحتُ ما خسرتْ يداي"
يظلُّ يسمعُ للضجيجِ
لكي يصالحَ نفسه
"يا نفسُ لم نقصدْ
سوى أن نستريحَ وأن نريحَ..
وما فعلنا كان يُفعلُ وحده"
بل يوشكُ الجنرالُ أن يمشي على عكازتيه
ويرتمي في الماء صاحبِِه الأجلِّ
يقولُ: كنا يا حبيبي لا نعي ما نحن فيه
فأنت تجريك الرياحُ على الرمالِِ
لكي تزيلََ بيوتَ من سكنوا على شطٍ يطلُّ عليك..
أمَّا من يخاطبَك ..
اختبا بمسامه اللهُ
.. اصطفاه لكي يقيمَ
حظيرةً في الأرضِ يُسمِيها
"هنا يَرعى خواصُ اللهِ .. لا لا تقربوها"
.....
كان يضربُ من يقابلُ
كان يحزنُ
حينما تروي الدماءُ غليلَ عشبِ
كان يحزنُ
كلما أمرَ الجنودََ بأن يبيدوا الزرعََ
يسألُ نفسه "ما سر هذا"
"يا تُرى من في الحظيرة يا إلهي يا يدي
كي يستحقَ دماءنا ودماءَ أعدائي الذين
جعلتهم أعدائي..
...
بل يوشكُ الجنرال أن يحتارَ في ماضيه أكثر
حينما يلقي على مَنْ في الحظيرةِ نظرةً
ويقولُ "مَنْ مِنْ هؤلاء أرقُّ أو أعلى
لكي أحميه
أو من أجله قتلت يداي جميعَ من فروا أمامي ..
هؤلاءِ وهؤلاءِ سواءُ
ما يحتار فيه صديقُنا الجنرال أكثرَ
أنه لما يطلُّ على الحظيرةِ
لا يلاقي أي شكرٍ أو ثناءٍ..
ربما لا يعرفون السيدَ الجنرالَ
يسألُ:
كيف يصبحُ هؤلاء خواصَه
ولمَ يكون الآخَرون الآخرينَ,,
....
ما يحزنُ الجنرال
ما يبقيه أوهنََ من خيوطِ العنكبوتِ
هم الضحايا..
كان يلمحُ في عيون نسائهم نظراتِ حزنٍ
كن يحملن الطعامَ إلى الحقولِ
على الأكفِ صغارهن وهن يملئن الجرار
فلم يكونوا خارجين
وفاسدين لكي يموتوا..
...
بل يُوشكُ الجنرال
أن يقضي على مَنْ في الحظيرة
غير أن يديه لا تتحملان
ولا يريدًُ خسارةً أخرى
ليصنع من تصدعِ روحه
وجهاً يقابله فيخجلُ ..
لم يعدْ في العمرِ
ما يفنيه في حصرِ الضحايا ..
يعرفُ الجنرال أن الظلم عينُ الظلمِ ذلك
يعرفُ الجنرال أن عليه أن يقتصَّ
كي تبقى الحياةُ على بداهتها
"إذن من حظهم من في الحظيرةِ
أنه لم يدركِ الجنرالُ خدعته
سوى في آخر المشوار
حين يظلُّ يجلسُ ساخراً من نفسه ويقول:
"ما فعلتْ يداي أظنَّ ما فعلتْ يداي".


عبدالرحمن مقلد
  • Like
التفاعلات: فائد البكري

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى