عبد الرحمن مقلد - مَجَازٌ مُرْسَل .. شعر

لا يَتذكرُ كَيفَ هَوَى
يُمكنُ أنْ دَرجُ البَيتِ
لم يتلقَّ خُطاه
ويُمكنُ أن كانَ
يصعدُ بين سَدِيمٍ وآخرَ
واختفتِ الجَاذبيةُ
أو كان يَقرأُ
من شُرفةِ البيتِ طالعَة
وتَوهمَ أن الحياةَ تَمدُّ يديها
فسامحها
واغتَوى بالسقوطِ على مهلِه
رُبَّما ظَنَّ أن فتاةً مُمَددةً
فوق عُشبِ الحَديقةِ
فارتاحَ في ظِلِّها
ربما خَدعته دموعُ صبيٍّ
فأرفقَه فوق كفَّيه
ثم استوى كالملاكِ المُعَلقِ
لكن ربَّ العرائسِ أرخَى حبائِلَه
فاستقرَّ على الأرضِ
لا يتذكرُ كيفَ هَوى
غيرَ أن المُمَدَّد في الرَّملِ
مُحتَفيًا بانتشاءِ السُّقُوطِ
ومُكتفيًا بالدَّويِّ الذي أفزعَ الطيرَ
يعرفُه جيدًا
ذاتَ يومٍ تسلقَ كَابُوتَ سَيارةٍ
وارتَوى بالرزَازِ الذي تَحملُ الرِّيحُ
وانتبهتْ لثمارِ يديه مَلائِكةٌ هائمونَ
وأخرجَ من صدرِه الأُغنياتِ
وحين سقَاها
سُلافَةَ أعصابِه
أورَفتْ
ونَما كَرمُها وتَمددَ
مُصطحبًا ظِلَّه أينَ سَارَ
وأدركَ أن بساتينَ قَائمةً
في رِياض تَجلِيه
موشكةٌ أن تَضيعَ
ويذهبَ ريحانُها
وأن منازلَ مَعمورةً
تتوكأ على خَيطِ نُورٍ أَخيرٍ
وتَبهتُ في العَينِ
تَرحلُ عن نَهَرٍ تَتدلى عليه
ليغسلَ أقدامَها
أينَ سارَ
رأى سِربَ ظبائه يَتداعى
كأن رؤوسَ شياطينَ تنهشُه
وتهدُّ البساطَ الذي كان يحملُ
«بلقيس» كُلَّ صباحٍ
لتشعلَ مرآتها خارجَ الكونِ
يسألُ من أمسكَ الماءَ عند ينابيعه
لم يَشأ أن يسيرَ
وراءَ حصانِ «ابن ذي يَزِنٍ» *
ليجيب الصدى وحده
واستهام ثمانينَ حولًا
يراقبُ فعلَ الزمانِ بأعضائه
ويزيلُ من الرُّوحِ أثقَالَها

كلما خَفَّ

واصلَ معراجَه

ورأى نِسوةً يفترشنَ

فراديسَ أجسادِهنَ

يُطوقْنه كلما ارتابَ أو ضَلَّ

يُشعلنَ نَهدينِ من فِضةٍ

يجلوانِ الظَّلامَ

ويسبقْنَ خطواتِه كالحُداءَ القَديم

ويُصبحنَ حقلًا من «النَّرجسِ الغَضِّ» *

فيمدّ عينيه

إن مسَّ مثقالُ ذَرٍّ من الرَّملِ

إيقاعَه

أينما لاحتِ الذكرياتُ

يُجمِّعن آثارَه

ويكنَّ حبيبتَه

حين مرَّ على بيتها

واستراحَ قليلًا من القَيظِ

أسفل شُباكِها

ورمَتْه برائحةِ العِطْرشَانِ

فأغلقَ أنفَيْهِ

مُحترسًا أن تَزولَ

وأين تلوحُ له الذكرياتُ

يَكنَّ طُيور الخَزَانةِ

بين يَدي أُمه

ويُنسينه أن رحلَته

لا طريدَ لها
أو يُناسبُها جَبلٌ سوف يأوي إليه
لِيعصمَه من تَذكرِ كَيفَ هَوى



* سيف بن ذي يزن، وفق سيرته الشعبية
المتداولة في مصر، ذه ب لمنابع النيل في
الحبشة، ورك ب حصانه إلى الشمال،
وتبعه الماء حتى المتوسط، فنشأ نهر النيل.

*أبو يزيد البسطامي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى