ثناء درويش - هبوب الروح.. قصة قصيرة

أخيرا رأت روايتي النور، وكنت قد استودعت مسودّات ورقها درج مكتبي لسنين طويلة.
كنت أخرجها من حين لآخر من عتمتها و أجري تعديلات على فصولها وشخوصها وفقاً لتغيرات المرحلة و انقلاباتي الفكرية و النفسية، ثم أعيدها للدرج دون أن أفكر لحظة بالترويج لها عبر النشر، فالرواية كانت أنا بكل تفاصيلها، و لا أجد ميلاً لأن أكون يوماً على مشرحة النقد أو ملهاة الاستهتار أو حتى مسرح التصفيق.
ثم .. لا أدري كيف طاوعت أخيراً صديقي و قلت له افعل بها ما تشاء ما دمت لم تزل مؤمناً بي و بدور الأدب في التغيير، فلا أظنني سأضيف عليها بعد اليوم حرفاً .
وضعتها في ظرف بعد أن كتبت بقلم رصاص على المغلف "هبوب الريح"
أمسك صديقي ممحاة وبدّل كلمة الريح بالروح وتبادلنا النظر للحظة، هو بعينيه المشرقتين وأنا بغياب عيني.
لم يخبرني صديقي كم دار نشر رفضتها إلا بعد أن نشرها على حسابه الخاص في دولة عربية شقيقة، فزادني الأمر بؤساً و إفلاساً معنوياً.
كرّر صديقي محبته التي لم ألق حتى اللحظة مثلها: "لا تشغل بالك بأمور التوزيع..
سأتكفل أنا بإيداع النسخ في مكتبات البلد و سأطلب من أصدقائي الكتابة عنها، لضمان الاهتمام بهذه التحفة الإنسانية الرائعة".
المحبة حجاب بقدر ما هي بصيرة..
ومحبة صديقي و إيمانه بي حجبا عنه واقع الحال و ما آل إليه الأدب.
كان لا يزال يحيا في ستينات القرن المنصرم و رواياته العالمية الخالدة..
كأنه لم ير أن الأدب صار ترفاً و محسوبيات و نفساً قصيراً.
ولا رأى كيف الحضارة ارتفعت على حساب الكلمة و الإحساس بها، وأنها كغول التهمت القيمة المعنوية لصالح القيمة المادية.
تأملت من جديد غلاف الرواية و أعجبت جداً بالفنان الذي أبدع بتجسيد فكرة العنوان.
"هبوب الروح" .. والروح يد سماوية علوية، تمسك خيطان مسرح العرائس..
تزجي السحاب.. ثم تمطر و تغرق .. تمنح و تمنع .. تكسر و تجبر .. تقطف و تخطف.
تسلّيت بكتابة إهداءات على الصفحة الأولى لعدد من النسخ لبعض معارفي و أقاربي وتفنّنت بإعطاء خصوصية في كل إهداء بما يليق بمكانة المهدى إليه عندي وانتظرت.

طال انتظاري طويلاً .. طويلاً جداً .. حتى بعد رحيل صديقي و توأم روحي.
وما خطر ببالي أبداً أن حياتي و أنا في أرزل العمر، تصبح مسلسلاً تلفزيونياً بعنوان آخر لكاتب آخر، و تحصد أكبر نسبة مشاهدة في ماراثون التنافس.

أشكرها لأننا على نفس موجة الأثير

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى