ياسر جمعة - يوم وُلدِتْ أشباحُنا.. قصة قصيرة

يوم وُلدِتْ أشباحُنا

كنا، بعد كلِّ اشتباكٍ أو غارةٍ نقوم بها، نعود إلى ثَكَناتنا وقد استخفَّ بنا المرحُ، والفخرُ بقدراتِنا كذلك، الذي كان يصلُ بنا إلى حدِّ التيه، فننفصلُ تمامًا عن ذكرياتنا- التي كانت في البداية ملاذنا- وعن ذواتنا وما بها من مخاوف وأحلام، وحتى عن جروحنا، التي كنا نعالجُها، إنْ عالجناها، دون اهتمام.

وكأننا قد تَحوَّلنا إلى آلاتٍ يُحرِّكُها الهدم والخراب والأفكار الصِّبيانيَّة، إلى أنْ رأينا ذات صباحٍ غائمٍ؛ بعد التأكد من إبادة إحدى المُدن، طفلًا بطول البندقية، أو أقصر قليلًا، كان يلتقطُ من بين الأنقاض ما يبدو أنها ألعابًا، أو ربما أطعمةً، كان لا يرانا، رغم قُربنا الشديد من موقعه وضجيجنا، أو ربما كان يتعمَّدُ أنْ يصلَنا عدم خوفِه، ما بثَّ في عقولِنا، تقريبًا في ذات اللَّحظة، الفكرة.. الفكرة التي أعلنَها قائدُنا بنظرةٍ شملتْنَا، أولًا، ثمَّ التصويب نحو الطفل، فشدَدنا أجزاء أسلحتنا وصوَّبْنا نحوه كذلك، ليرفعَ قائدُنا فُوَّهةَ سلاحهِ للأعلى مُطلِقًا رصاصةَ البَدء.. فرفعُ الطفلُ هامتَهُ القصيرةَ والتفتَ إلينَا، تدافعتِ الطَّلقاتُ نحوه، ركضَ قافزًا من هنا إلى هناك، في مراوغةٍ رشيقةٍ، محترفةٍ، زادَتنا حماسًا وبهجةً إلى أنْ…

عدْنَا يومها- هل عدْنَا فعلًا؟!- ونحن نتوارى من نظراتِ بعضنا، لتمرَّ بنا اللحظات ثقيلةً، موْحشةً، يَلفُّها صمتٌ مُطبقٌ، ما كنا نخرجُ منه إلا على دويِّ رصاصةٍ أسكتَ بها أحدُنا صُراخَ روحه، أو على ضجيج مُلاحقةٍ شرسةٍ، لأشباحٍ خرجتْ من أحد رؤوسنا، وتكاثرتْ أمامَ خوفِنا، وبدأتْ تُهاجمُنا.



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى