عدنان شيخموس - حُقولٌ تَنْتَظِرُ خريراً تَحْتَ خيمةٍ عاريةٍ.. شعر

زارني ريحٌ أخرسُ
قميصُهُ أبيضُ مبلّلٌ بماءِ البراري..
يعوي قائلاً :للنّهرِ خريرُك ؛ لا يئِن اليومَ
صوتُكَ رَخيمٌ تَحتَ وسادةٍ مصلوبة..

ثَمّةَ مسافاتٌ تُزغْردُ للشّمعةِ الأخيرةِ قبلَ أنْ تذوبَ الأرضُ في أنفاسِ الرِّمالِ..
يديرُ وجهَهُ لنهرٍ أعمى ضلَّ دفترَ أفراحِه..
وظَهرُهُ لظلِّه وعيناهُ تفيضان شلّالَ دمٍ..
َّأصابعُهُ مبتورةٌ في جسدِ الشّمالِ ولا يُجيدُ غيرَ اللَّحنَ الرّماديَّ..
وُلِدَ من رحمِ الصّمتِ؛ والصّمتُ طينٌ يتجلّى ركاماً. جسدُهُ نحيفٌ جاثمٌ على خدٍّ ناعسٍ..
أفقُهُ مَثقوبٌ في خاصرةِ غَياهب ِ اللّيل..
جهاتُهُ مُرتعِشةٌ تَرسمُ عُشّاً على دفترٍ مُنتهٍ
تنتظرُهُ عرّافةٌ لا تشتهي البكاء على فنجانٍ من رصاصٍ..
يجري حافياً كي يُصبِحَ ظلاً لقدّيسٍ بلا قيودٍ..
يَرتعشُ التاريخُ ويمشي باكياً في فهرسٍ أعمى..
ليتَ كلَّ الكلماتِ تنتهي في مِحرابِ شفقِ الروحِ..
ليتَ كلَّ الحروفِ تَتَفلْترُ في حرفٍ من اسمك..
يلملِمُ أسئلةً في واحةٍ خرساءَ، والقمرُ مصلوبٌ في بيادرَ آسنةٍ..
يغادرُ ماءَ الدّهرِ ويمشي في يدِهِ بوصلةٌ من غيرِ أجنحةٍ..
يَركضُ اللّيلُ نحوَ مواويلِ نهرٍ يَغرقُ في فانوسٍ للاستخارةِ..
يكتبُ ومضةً لا رئةَ لها ، رئةٌ أينعتْ في الرّوحِ والسّماءِ دخاناً..
ليتَ كلَّ الأنهارِ تَغسلُ خلخالَ القصيدةِ تحتَ شعاعِ النّعناعِ..
قدْ يحجبُ سوادَ النهارِ شرفةٌ أو شارعٌ من النعناعِ..
قدْ تموتُ روايةٌ ناقصةٌ؛ لكنْ سمفونيةٌ كاملةٌ لاتموتُ..
قدْ تختفي أمواجُ العمرِ بحواجزَ صفراءَ وأشواكٍ..
تكتفي أبوابُهُ الكبيرةُ بالبكاءِ أمامَ كَومةِ حَبَقٍ..
ولاتَحبلُ المدائنُ بدموعِ السنديانِ..
النهرُ يعلّمُ الغريبَ لغتَهُ ويمشي عالياً..
لمْ يسألْ النهرُ عنْ سيرتِه ومكانِ ولادتِهِ في جُبّ العمرِ؟
مازالتْ الحقولُ تنتظرُ خريراً تحتَ خيمةٍ عاريةٍ
النَّهرُ غَيرُ عاقلٍ في معجمِ مياهِ الحياةِ ..
حقولُهُ غيرُ مشتّتةٍ ؛ غيرُ قابِلةٍ للتّفسيرِ.

عدنان شيخموس

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى