تامر الهلالي - إلى امرأة ستعرفني من ارقي

1
أرجوحة

ليس لدي قلب
قلبي ارجوحة لحيرتك
ليس لدي جسد
جسدي فطيرة لشبقك
انا مجرد مدمن على الاختباء معك و فيك
و أحيانا منك لأعد إليك
أنا ممحاتك
ازيل الندوب عن يومك
و اعمل بدوام كامل حاملاً لأقنعتك
كل ما اطلبه منك شيء واحد فحسب
لا تسأليني أين يغيبني الطريق


2
رقصة ندى

أحبك
فتعلن شجرتي الحرب على ريح المنافي
أجتث الغربة من شراييني
و اعلن بداية التقويم لابدية مطرك في دمي
و على لهفتي العطشى منذ ألف جفاف

احبك
لا يحولني المساء إلى شطائر ارق
ولا احوله لرماد اسود
أكمل قمره و اعيد له اغانيه المسروقة

احبك
فلا يغادر المطر امل السنابل
تكف القصائد عن الصراخ
تصير يدي و تراً و خصرك قيثارة
و الفجر رقصة ندى

احبك
تدق أجراس صلاة الكون لشعري
في محراب عينيك
و تمطر السماء موائد موسيقى
و مزامير معجزات

احبك
فأصير للمرة الأولى أنا
دون تجاعيد الخذلان على وجهي
ودون أن تسرقك من ملامحك
ألحان الخذلان والندم

احبك
اعد إلي
اعيدك إليّ
أعيدك إليك
و تبدأ أبديتنا المشتهاة

3
كيف حالك

الخوف
ذلك الحليب الآثم الذي ينزل في حليب القدر لإجباري
المدعم
الكبير جداً و دقيق الحجم جداً
كي يسكن بين كل ذرتي أكسجين و ذرة كربون
في هواء المدينة الملغم باحتمالات الموت

هذا الكائن الذي يضيف إلى حجمه قدرا منتظماً كل ليلة
مهما كانت الظروف
لو كانت العاصفة تغلق ابواب الفجر
لو ارتدى الحب ملابس الحداد وذهب بكفنه إلى اشباح القبح
لو كنا سعداء في لحظات بلاهتنا المتعمدة و تظاهرنا بالفرح

لكني الليلة لست خائفاً
لم يبق لدي سوى حقيبتين من الألم
و قميصاً نظيفاً لكنه يبكي دون دموع
و سروالاً اضع في جيوبه ما يكفي لنفث الدخان
لم يبق لدي سوى ضحكة كبيرة بحجم العمر
أطلقها كلما سالني دهم دون اكتراث:
كيف حالك

عادة ما يكون المجاز مطواعاً معي في مثل هذه الساعات
حين يخلد الجميع لتعب جسده
يحتل المجاز جسدي و يمارس طعني بخداعه المزركش
لكن تلك الليلة انا يقظ جداً

اريد ان اقول لنفسي حقيقتي
أنا جسد من الكوميديا السوداء
مجرد طاووس مريض مرض الموت
لا يرى الناس مرضه
لن يسمع احد تفريغ عظامه لنخاعها
و استشراء السكري والحزن اللاذع في دمه
ولن يلاحظ أحد جفاف عينيه الواضح للعين المجردة
لكن لا عيون في هذا الكون مجردة
و ليس لدينا خيار القلوب
التي ترى ماوراء

4
مؤقت كغبار، أبدي كحزن

لا أصلح إلا أن أكون لحناً مثيراً لنوستالجيا
يذوب مع أول نفير لسيارة تثير خط غبار
و تمضي

أو ان أكون نزوة عابرة لطيفة
في حياة صبية مندفعة مثلي
أو رجلاً حلمت به امراة شديدة النضج والحكمة
لكن الحياة اخلفت معها المواعيد

أنا المؤقت السري كزخة ندى في صحراء
عازف الربابة الذي يلف شوارعكم
بملابسه الرثة
و احزانه المتكلسة في جلده القديم
لا يشتري منه أحد إلا فيما ندر
يبتسم الجميع لرؤياه و مروره
لكنه في نهاية الشارع
يذوب
وحيداً
مثقلاً بحطب حزنه الأبدي

5
لا أسمع خطى الليل
ولا لهاث النهار
لا أرى نور الشمس
ولا غناء القمر
إلا حين تشرق شفتاك في سماء عطشي
أو يشرب الشعر من ينابيعك حين تصفدني صحراوات االغة
أو حين تشرد ساقاي في غابات جسدك
فتجدني خريطة طفولتي

رائحة لحمك
عسل لسانك
عطر شبقك
لغة جموحك
تعويذات ترد إلي قمصان أبنائي
ترشد صلواتي إلى قبلة
محاها الزمن
من قلبي
و من خيوط جبهتي

6
أنا ملك القفزات الانتحارية
تلك التي تهرب بها من جحيم الحياة
إلى أضئل كم ممكن من نور الحب
لكني صرت أخشى التقدم في الحزن
ظهري يخونني
صار ينوء بجبال العبث
ساقاي تعبت من الجري في المكان
مصفدة إلى جدران اللامنطق

الحكيم أخبرني آخر مرة رأيته مصادفة
اني مجرد أحمق
اسكب كل الأمل
حين يريق السراب شعاعاً واحداً من كذبه
أذوب حين أحب
اأتول لندى من جنون
رغم انه يمنع الرؤية تماما
اتخبط في عماي
ظاناً أنه ظلام مؤقت
يفاقم العبث بنيانه
و أصير مجرد عود بلاستيكي
لنفث الفقاعات
بلا توقف

7
لحم الرؤية

كم معجماً يلزم للعثور على كلمة
تستعيد وهج اللحن
اللغات حواجز ترتدي أقنعة تواصل
حين تهرس الحياة
لحم الرؤية
و تحولنا لكائنات من دخان

في البدء كنت غضاً
امسك بعصا اللغة
مؤمناً انها تأكل ثعابين السحرة
كمعجزة لا تنضب
تذيب الغيابات
و تبني أوطاناً للغرباء

زرعت أرضي شعراً
و كتبت كنبيٍ
يعرف تأويل الأحاديث
و يقرأ الاحلام
كأنها آلهة الحقائق

ضيعت طرقاً
و ضيعتني طرق
ذاب منطق المعجزة
و بقيتُ كالمجنون
أكتب قصائدا
في صحراء جنوني
لتأتيني بطرائدي
من غزلان
اوهام و سرابات نبوتي

9
نبحث عنا

تعرفين مواطن ما تبقى
من نور في روحي
تمتطين صهواته
و ترحلين به إلى
زمن الحب الساذج : أجمل ما فينا

حين نجوع
نلثم ثدي السماء
حين نعطش
نعتصر غيمة مقدسة
حين نحزن
تربت الشمس على قلبينا
نصير ملائكة حين نريد
شياطين حين نريد التمرد
دون أن نسقط
لنبحث عن بعضنا من جديد

10
إيزيسي

عيناك إيزيسي
تلملم أشلاء قصيدتي
من المسافات الشاسعة
بين الأحلام الضائعة
تعالج إدماني
حمل الصخور و الصعود
عبثا إلى النوستالجيا
كي أخفف عبث قسوة الواقع
تخرج الموت
من جيوب القصيدة
تعيد لغتي للعب و اللهو
على سطور من ماء
لا ينساه نبعه
ولا يصب
في آبار قديمة

11
زاوية منسية

عبثا ًأبحث عن لحن
يناسب وحدة لانهائية
تبلل به القيثارة
المرهقة
جفاف الأقمار من ابتساماتها

ضاق براح الروح بشكل مفاجيء
ثمة كائنات لا أراها
تدفعني إلى زاوية منسية في بيتي الواسع
تشغل موسيقى لا تتوقف
ولا يسمعها أحد غيري
تجفف صوت الذكريات
رغم أني احرص كل ليلة
أن أطفيء كل الموجات الممكنة
قبل أن أشرب كأسي الأخير

12
نوبات شره الوحدة

طبقاً لحكيم قديم كان يعيش وحيداً
ولم يكن يعاني من داء السكري :
تبدأ الوحدة كنغمة عادية صغيرة
تتخفى في ثنيات اللحن
ثم تتظاهر بالحزن
يفتح لها اللاوعي أبوابه للصغيرة
دون أن يدرك
أنها ربما تأكل أي شيء في نوبات شرهها المتكررة

لست نبياً
يدرك لغة المخلوقات الصغيرة
كما أن داء السكري أكل الخلايا التي كانت تبصر في الضوء الخافت
لذا تنمو داخلي كائنات متناهية الصغر
و تصيبني دهشة كبيرة
حين أراهم حولي
لكننا لا نتحدث كثيراً
لضيق الوقت

13
أتكثف في حضنك

لم أرك من قبل و انت ترقصين
على ازمنة من اشواك حزنك
لكني استطيع ان الآن
ان ارسمك وشماً على صدر سمائي
و انت تراقصين شوقي
تجمعين بخطواتك دخاني من ألف مجرة
أتكثف في حضنك
أثقل ثم أصير خفيفاً
ثم أصير مطراً يمتزج بصلصالك
بعطرك
بعرقك
أهبط وديانك
ارتقي هضابك
اذوب في حممك
اتلاشى دخاناً
و يعاد خلقي من جديد
جنيناً تعجنه عيناك
في رحم عشق طهور
جامح

14
كوني غريبة

كوني غريبة لبعض الوقت
قلبي لم يعرف خلال اربعة عقود طعم المرأة الوطن
ولا طعم البلد الوطن

أعرف أن كل خلية فيك مرسوم فيها خارطتي
ملامحي محفورة في يدك
خطاك تعيد سماواتي إلى طقوس احتضان ارضي
شفتاك تمتصان الغربة من لساني
و عيونك تجعل عيني مركز الكون
و الخرائط كلها تمحى ملامحها بين يدي لهفتك

لكن لأني غريب
أحياناً لا أستطيع أن أحتمل الحدود
ولو كانت حدود حضن
أحياناً أفلتني مني و منك
لأحلق
حتى لو كان التحليق مجرد هرب
من صفعات جنون سادي

15
نوافذ محترقة

لن يستطيع الألم تهشيم نوافذ محترقة بالفعل
هذا ما أردته منذ آخر حزن ضخم
كان بحجم البحر ذلك الحزن
أنفقت كل سطوري لإطعام لغته
و صنع قارب صغير بشراع مهتريء
لعبور غير محتمل النجاة
إلى قطعة أرض بيضاء

كان العبور آخر معجزاتي
أخبرتني ثقوب القارب بذلك
كل نوافذ قلبي احترقت في إحدى نوبات البرق
كل ذلك كان محزناً بالطبع
لكني علمت وقتها
اني لم أعد وجبة مغرية
لحيتان الألم كبيرة الحجم
ففرحت
و ضحكت كسمكة لا ترى بالعين المجردة

15

أكثر من عري

لأني أملك أكثر من
حاسة لمس
أستطيع أن أمسسك
بغضبي من هذا العالم العبثي
بأحلامي الثائرة
بحناني القديم
بقسوتي المفتعلة
بقصائدي المبتورة
أفترض أن يكون لك أكثر من عري
عري للغضب
عري للأحلام
عري للقصائد

16
أرشيف الليل

كن وديعاً ايها الليل
لا مكان في روحي للمزيد من الهالات السوداء
لا تحضر لي عشيقة هذه الليلة
هبني من لدنك قصيدة من سكينة
لديك في ارشيفك الهائل شيئاً منها
بعض الرواة قالوا ذلك

قالوا أن ثمة ازمنة دون قلق الفراغ والموت
و أن ثمة أماكن غير مكدسة بدخان الاحلام المحترقة
اعرف ان الروايات متواترة و مؤكدة ان الشعراء أصدقاء الجحيم
و ان. الليل يخزن في قلوبهم ذخائره النادرة من الألم
الذي لا يجدي معه شيئاً
سوى الاستسلام التام لجيوش الشجن
او الهروب الذي لا ينتهي
والاختباء بين قطرات الكؤوس
أو سيقان الحبيبات
او بين الكلمات في المعاجم
كي يسفر الجحيم المؤقت
عن ابدية وهم عذب

17
تدريبات على " هوى دون أمل"

حسن
لأجرب هذا الأمر: أن احبك بتخل تام عن سطوة الجسد
عن هذا الفضول الأبله المستبد للشهوة
كل اباطرة الكون يسكنون الشهوة

الأزمة اني جربت مرة أن أهوى بلا امل في عناق
ولا في تذوق شفتين
لم يكن الأمر يعنيني وقتها
كنت اريد ان اطبق ما يغنيه كاظم الساهر
ان اشعر باللوعة التي تخرج من صوت الست كلما تطرقت للسهر والشوق والسهاد
لم اعرف ماذا تعني كلمة السهاد
لم ابحث عنها في المعاجم
عرفت ضمناً انه درب من العذاب اللذيذ
و ربما كنت مازوخياً وقتها بما يكفي
لأخوض التجربة

الازمة الاخرى
اأن جسدي لا يزال يملك مزاج سكير رغم إقلاعي عن الخمر
رغم كل عذاب تاريخه المرضي والإدماني لكل شيء
بدءاً من النيكوتين مروراً بالكافيين
وانتهاء بالرغبة الملحة
في لعق الحزن من كل نهد يشكو الإهمال

الأزمة الثالثة أني اهرب من جحيم العالم
إلى عالم اللعب
القفز / التكور/ الاحتضان/ الركض/ الإفلات/ الاستسلام المؤقت/ المباغتة مرة اخرى/ الامتصاص/ العض/ التقبيل البطيء/ التقبيل الرومانسي/ التقبيل العنيف/ ...
و البحث غير المجدي عن الملابس
ثم تحول كل شيء إلى الماء الأبيض

لكني سأجرب أن:
" اهواك
بلا
أمل"

18
رجل فقير

الحب رجل فقير جداً
لا يملك ثمن ساعة يد بلاستيكية
لا يملك ساعة رقمية
لا يملك جدراناً يعلق عليها ساعة حائط

الحب رجل يتعثر في خطاه
كسكير لم يشرب شيئاً
يمسك الواقع براسه
يضربها في جدران الارقام
في سلالم الذاكرة الرخامية
في الأخطاء التراجيدية
و الأخطاء التي كنا نظنها عادية
لكن اتضح متأخراً
أنها ماساوية للغاية

الحب شحاذ لا يلتفت إليه الكثيرون
الظرف الاقتصادي بشع للغاية
لا يذهب إلى مخدعه تحت ارصفة الأمل
إلا بقوت يومه
و حلم هش جداً
لكنه جميل

الحب يأتي دائماً متأخراً
يا حبيبتي

19
يوم ولدني المطر

أخفي في فمك ذات قبلة
جفاف غيمات الذاكرة
وأخرج كيوم ولدني المطر
و ذلك الماضي المتكهف اذيبه حين ينصهر نهداك
و تنسكب حممه من راحتي يدي

في حضنك تعلنني محاكمات الكون بريئاً
أسير في شوارعك قفزاً و طيراناً
كمن عاش قبل الحضن في كل زنازين البلاد

بين يديك يبتكر نوري لغته
يفك الشعر ضفائر حروفي
و تصير كل قصيدة شمسا
و كل لحن قمراً
في ليلة تنتظره بفستان اسود انيق
مرصع بأنفاس اللهفة

اللمسة تحيي موتي
تبريء صممي
و لا تسمح للأيام بولوج تقاويمي
إلا خالية تماماً
من كل آثام الخذلان

20
المسخ

ماذا نفعل أيها الشعر
في هذا المسخ
ذلك الكائن النفسي الذي يجعلك تفقد الرغبة في كل شيء
حاول معي
تذكر أول قبلة
اول نجاح
تذكر سفراً إلى مكان جميل
او صديقاً كان يستطيع أن يرسم بسمة على روحك في أحلك حروبك و حروبه

لو تذكرت شيئاً يبعث على البهجة
ارسل لي
بعض الكلمات
ليس بالضرورة أن تكون جديدة او مبتكرة
ليس ضرورياً أيضاً أن ننشرها للغرباء
المهم ان نضحك سوياً
ان نذق مكعب سكر واحد
دون قلق من كسل البنكرياس
و دون أن نتجرع لساعات
كؤوس الأصفار والضجر


******************
نصوص من ديوان قيد الطبع
13 مارس 2020- القاهرة

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى