عبد الحكم بلحيا - على قارعة الماء.. شعر

أنْحَازُ دَوْمًا لِلماء..
ولا شأنَ لي بِما يُخَمِّنُ الصَّلْصال
الماءُ فِتْنَتي..
والماءُ مُلْتَحَدُ الوُجُود..
الجَسَدُ فَصْلُ مَاء..
كُلّما تَصَادَتْ حَرائِقُه؛
اسْتَنْفَرَ ما فيهِ من شِتاء !
الماءُ مِن فَوْقِنا،
والماءُ مِن تَحْتِنا..
فما بالُنا نَدَّعِي إلى الطِّين !؟
عالَمٌ بِحالِهِ..
عالَمٌ.. كُلّهُ يَهْوِي..
مُنْعَكِسًا في قَطرَةِ نَدى !
منذُ مِلْيُونِ مليُونِ مَوْجةٍ..
ونحنُ نَسْبَحُ في الزمَن ؛
و لَمْ يَرَ الساحِلَ أَحَد !!
ومنذُ مِلْيُونِ مليُونِ نُطْفَة..
ونحنُ نتَدافَعُ في الكُهُوف؛
و لَمْ تُقْلِع النافُورة !!
بَيْنَ الصُّلْبِ والترائِب..
حيَاةٌ..
تُرِيدُ السبِيلَ إلى الحَيَاة !
ابْتَدَع اللّٰهُ الكَوْن..
مُتَربّعًا على عَرْشِ الماء !
وابْتَكرَ الإنسانُ الدمْع..
مُستَنِدًا إلى ظَهرِ صَخْرَة !
لِلأُمَّهات الثَّكالَى..
مَرافِئُ لا تتَوَقّفُ مِنْها القَوَارِب ؛
عُيُونٌ مُغْرَوْرِقَة !
لِلمُتَوَلِّهاتِ..
مَشانِقُ حِبالُها لا تَنْقَطِع؛
عبَراتٌ علَى الخُدُود !
*
على عُهْدَةِ الماء..
أغَيّرُ ما قالَت الكُتُب..
ولا شَيْءَ أخْشاه ؛
-في البَدْء كانَ الماء،
وفي الأخِيرِ كانَت الكَلِمَة !
يا نارُ كُونِي ماءً..
يا ماءُ كُنْ جِبَالا..
"ويا جِبالُ أوِّبِي" !
كلُّ مَن علَيْها فَنِي..
ولم يَبْقَ إلا الشَّيْخُ والبَحْر !
لَوْلا الماء..
أ كانَت الأرضُ والسَّماء !؟
أَ وَ مِنْ أجْلِ الماء..
كُلُّ هذِهِ الدِّماء !؟
دُمُوع التمَاسِيح !
أ هَذا كلُّ ما جَنَتْهُ عِشْرَةُ الماءِ مِنْ أزَل !؟
لَولا الماء..
هلْ كانت الخَمْرَة لِتتَجاوَز عُقْدَة العِنَب !؟
الماءُ طَريقٌ إلى كُلّ شَيء..
لا أسْتَثْني جَسَدَ الحَبِيبَة !
*
الرُّؤى: بَحْرُ الظلُمات،
الكَلِمة: سَمَكة مُتَمَعِّجَة..
بيْنَ الوَحْلِ و الضَّوْء !
أنا أَبّارُ النُّصُوص..
كُلّما حفَرْتُ في أرضٍ مَتْنًا..
لم يَبْقَ بَيْني وبَيْنَ الشِعْر..
غيرَ أنْ أَمُوت !
الحَرْفُ: قَطْرَةُ مَطَر..
والنّصُوصُ: مُسْتَنْقَعات !
بِغَيْر الماء..
أ كانَ لِشاعرٍ أن يَخْبِزَ القَصِيد..
ويُطْعِمَ القُرَّاء !؟
قالَت اللُّغَة : " أنا البَحر"..
قالَ الخَيَال : أنا الغَيْم !
أسّسَ الخَلِيلُ شَرِكَة "البُحُور"،
فدعَا الجاحِظُ بِـ "ماءِ الشِّعْر"..
ومُنذُ ذلِك ؛
والشُّعَراء العَرَب..
يَعُومُونَ في البَيْداء !
الوطَنُ : إكْواريُوم ،
الغُرْبةُ : رِيحٌ خَلْفَ الزُّجاج !
لَوْ كانَ لي أنْ أتّخِذَ إلَهًا..
لَكانَ البَحْر..
ولَنْ يُنافِسَهُ..
إلّا الجِبال !
ولَو كانَ لي أنْ أتّخِذَ بَيْتًا..
لَكانَ الشاطِئ..
ولَنْ يَنْتِزعَني مِنْهُ
سِوَى مَغارَةٍ في شاهِق !
البشَرُ عُشْبٌ مِن حُرُوف الوَقْت !
الآلِهة حِجارَةٌ من سِجِّيلِ 'النوَايا' !
صُوفيٌّ، مَجُوسِيٌ، حَدَاثيٌ.. أنا
والماءُ يرقُصُ حَوْلي...
أنا السِنْدِبادُ الأخِير..
وكلُّ سفُني تَمْخُرُ في عُبابِ الخَسارَة !
أمّا مَآثِري..
فضاعتْ جَمِيعُها..
في القاع ؛
قاعِ البَحْر ؛
بَحْرِ التاريخ !
أيُّ ساحِلٍ يَحُدُّني
وأنا مِن قَوْم..
الشمسُ رَغِيفُهُمْ ،
وشَرابُهُم: الرِّيح !؟
*
الماءُ بُرْكان، وطُوفَان، و مِزوَلَةٌ، و وَعْدُ
والماء: تكْوِين، وتَدمِير، ومَجْمُوع، وفرْدُ...
أعْتَى مِن كُلِّ جَبَرُوتٍ ،
وألطَفُ مِن لَمْسَةِ حَبِيب !
أيُّها السائِل اللَّطِيف؛
أَنَّى لكَ كُلّ هذِه الضَّرَاوَة..
الّتي تَعصِفُ بِكَوْكَب !؟
وكالحُبّ، حقًّا..
نتَهَيّبُ الغَطْسَ فِيه..
ومَنْ يَقَعْ.. يُوشِكُ ألّا يَعُود !
نقُولُ دَوْمًا : الحُبُّ نار
ولو فَقِهْنا لَقُلْنا : الحُبُّ مَاء !
الماءُ مُلْتَقَى الصَّيّادِ والوَحْش والفَرِيسَة..
ولا يُمْكِنُ التكهُّنُ بمَنْ يَفُوز !
الماءُ فَخُّ الطبِيعَة..
و لُغْزُها !!
وعلى قارعَةِ الماءِ..
كانَ دائمًا..
يَلْتَقي اللّٰهُ و الإنْسان !
الطقْسُ لَوْحَةٌ لا تَكْتَمِل..
مَنْ غيرُ الماءِ
يزعُمُ أنّهُ المُهَندِسُ الخَفِيّ !؟
أكتُبُ في مَدِيح الماء..
ويَعرِفُ كِلانا..
أنَّ مَصِيرَ
أوْراقِي:
الجَفَافْ !

2020-01-09




تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى