محمد صالح البحر - المكــــــان..

المعركة التي خضتها قبل قليل
لم تكن أكثر من محاولة
لاصطياد الفأر الذي يعبث بالمكان
إنه يفسد الطعام والشراب
ويصنع في المكان صخبا لا يُطيقه أحد سواه
لا تنظروا إليّ بعين ساخرة
مثلما فعل الشرطي الذي استنجدتُ به
ثم تركني وهو يتمتم بجنون
ما بال هذا المبدع لا يهتم بطعامه وشرابه
وينزل بعقله إلى هذا القاع؟!
صدقوني
الأمر لا يخصني على الإطلاق
فأنا رجل متسامح إلى حد بعيد
ولا بأس من إفساد طعامي وشرابي على قلتهما
لكن الهدوء أمر مهم جدا لاصطياد الأفكار
ونظرة الرعب المباغِت التي اعتلتْ وجه بطلتي الأخيرة
وهي تهبط من السقف إلى الشَرَك الذي نصبته لها في أم رأسي
ألجمتها تماما
لقد فوجئتْ به يحملق بها من الأسفل
ويقذف باتجاهها فقاعات لا متناهية من الصرير
فلم يترك لها سبيلا سوى الهروب
للعودة مرة أخرى إلى السقف
والذوبان في بياضه الناصع
أنا معكم تماما
الانتظار المتأمل أمر مبدِع أيضا
غير أن هروب الأبطال واحدا بعد الآخر
يجعل رأسي فارغا
حتى الأبطال الذين أنهيتُ تجسيدهم من قبل
يختبئون في الهوامش والأوراق القديمة خوفا منه
ولا يتيحون لي الفرصة لوضع اللمسات الأخيرة عليهم
الفأر صار مشكلة حقيقية
ومزعجا مثل ألم البواسير
منذ رفض وجوده الطبيعي بالمكان
راح يزرع الخوف والصخب لامتلاكه كاملا
والأبطال يصرخون بأصوات مكتومة ومتألمة
ويرون أن خروجهم من فضاء التخيل
للتطهر داخل رأسي
هو سبيلهم الوحيد للتحقق
الوقت لا يكف عن الهروب من بين أصابعي
وأنا رجل مسالم
لا أبغي سوى الجلوس في معية أبطالي
هكذا لم يعد من سبيل بيننا سوى الحسم
المعركة مفروضة
والمحاولة الفاشلة التي خضتها منذ قليل
صنعتْ منه ملكا يسير في المكان على ذيله
وصنعتْ مني مجرد لاهث في ركن بعيد، ومظلم
لكن بطلتي التي ذابت في السقف انتبهتْ
وعاودتْ التجسد من جديد
وهي تجلس الآن في الأعلى لمراقبة الموقف




تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى