نوارة خنسا - مرة جديدة.. أنا خارج دفاتر الرسم

لم أبرعْ في الرسم يوماً ،
كان دفتري معركة،
وكل رسمة قتيلٌ ملطخٌ بالألوان
كلما فتحته شعرت بالحزن،
وأغلقته بخجل
في المدرسة،
دائماً ما كنت أحاول الهرب من حصة "الفنون"، لأنني سأضطر بها فتحَ دفتري
وقتل فكرةٍ جديدةٍ
لكن دون جدوى
مدرّس الفنون كان يسخرُ مني دائماً
ومرة ..
طلب منا رسم فصل الشتاء ،
عندها قلت في سري: أتت الفرصة المناسبة لاظهار مواهبي أمام المدرس ،
فهنا سأستخدم الألوان الكثيرة،
التي أحتاجها حتماً،
والتي ستنقذني بالتأكيد!
فشلت حينها بالرغم من أنني كنت أنتمي و_بكرهي للرسم_ لعلبة الألوان،
كانت الدرجة ضعيفةً
فسال الدمع من الخربشة ،
والمعلم يقول بغضب:
ما هذا ،
الثلج لا يمكن أن يكون أزرق،
لأعلل أنه أنقى وأجمل ،
وهو يضحك بصوتٍ عالٍ
ربما على طفولةٍ ملونة!
لم أكره الألوان،
على العكس تماماً،
كانت العلبة مصدر سعادة فنان لا قيمة للوحاته،
أعدّها مرات ومرات
وأعانقها بشغفٍ
الا أنه كان للأبيض منظراً غريباً،
لا معنى لوجوده
ألوان تغني ..
وموسيقاه مزعجة!
فأستثنيه ،
وأذهب لعلبةِ أخي أبادلُه لوناً آخر وإن كنت أملكُه
كل اللوحات بعيدة عنه،
و أعزي ذلك بأن الورقةَ بيضاء
وهذا يكفي فعلاً.
بين الرسم والألوان لم يكن فوارقَ أبداً،
كالصحراء والجمل
أكره الصحراءَ وأحب الجمل،
أو العكس .
أكره الرسم وأحب الألوان
إلا الأبيض منها !
وحتى الآن
مازلت أحاول رسم أشياءَ داخل رأسي المليءَ باللاشيء
ومازلت أقطعُ التوبيخ خطوة خطوة
حتى أصل،
ومازلت أرافق المكتبة كطفلةٍ
أبحث فيها عن دفاتر الرسم،
وأُبحر بين علبِ الألوانٍ
لأصطاد ورقة وأنجح لو لمرةٍ واحدة
برسم شيء
يمتلئ بالألوان
والأصابع
والأصوات
لكن العلبةَ
افتقدت لونها ،
وأبعدتني خارج دفاتر الرسم.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى