علاء نعيم الغول - الغرفة الأولى

الغرفةُ الأولى
شعر: علاء نعيم الغول

وبها فُتِنتُ
كذا الجنونُ كذا البداياتُ الطريفةُ
واغتيالُ الفِكْرِ تبديدُ المسافةِ بالتأنِّي
هل ترينَ معي انفلاقَ البحرِ
معجزةَ الخروجِ على الطبيعةِ بانهيارِ المدركَاتِ
وزحفِنا نحو التراجعِ عن تقاسيمِ الكمانِ
بأنْ نفكرَ في النشازِ الحرِّ خلْقِ مُنَفِّراتٍ
تحملُ المعنى إلى ما كان يعني قبلَ
أنْ يصلَ النشيدُ إلى الحمامةِ
إنكِ الأولى معي بيني وبينَ المنقذاتِ
من السقوطِ فقد رأينا كيف تنفصلُ المدينةُ
عن عُرَى قمصانِكِ البيضاءِ
تتركُنا على بابِ الليالي الحائراتِ
وكنتِ تنتقمينَ من جُبْنِ الشموعِ بحُلْكَةٍ أخفتْ
تفاصيلَ العناقِ المستمرِّ وكيفَ تنسحبُ
الطيوفُ من المرايا المُترَفَاتِ وكيفَ نكرهُ
أنْ تحاصرَنا الظروفُ وعادةُ التفتيشِ عن سببٍ
لما يجري وتبريرٍ لما فعلَتْ بنا هذي الحياةُ
فلا تسلْني ما الضميرُ ومَنْ أنا في زحمةٍ
يتعمدُ الأحياءُ فيها الإنشغالَ بكلِّ ما هوَ
مرهِقٍ وأنا أُصَدِّقُ وجهَكِ المنحوتَ من خشبِ
الماهوجاني وارتياحِ المانغروفِ لما تقدمهُ البحيرةُ
لا تسلني كيفَ صرْتُ منافقًا في الليلِ منكسرًا
على بابِ النهارِ وصامتًا لو مرَّ موكبُ حارسِ البلدِ
الأمينِ ولستُ أنسى من يموتونَ انتقامًا
رغبةً في أنْ تعذبَنا الرؤى والذكرياتُ
بكِ اقتربتُ من الحقيقةِ والحقيقةُ أننا نهوى
القطيعَ وفكرةَ الوطنِ الموزعِ بينَ تجارِ القبيلةِ
والثكالى يرتمينَ على أسرَّتِهِنَّ حتى يستطعنَ
النَّيّلَ من أزواجهنَّ بفضِّ أغشيةِ السكوتِ
بآهةٍ أخرى بعيدًا يذهبُ الموتى وينتعلونَ صوتَ
الريحِ يمتصونَ رائحةَ السكونِ وفي يديكِ
قرأتُ أسفاري الطويلةَ ألمَسُ الدفءَ الذي جعلَ
الخليةَ رحلةَ الخَلْقِ القديمةَ كيف صرنا هكذا
متلوِّنينَ ونشبهُ الحرباءَ أحيانًا ونحفرُ في ضمائرنا
بيوتًا كالقنافذِ عاجزينَ عن التنعُّمِ بالمتاحِ
وخائفينَ من امتطاءِ شهيةٍ مكشوفةٍ والحاكمُ
الرُّوحيُّ كي يبقى سيجعلُ من مدينتهِ ملاذًا
لليرابيعِِ السمينةِ أيها الفئرانُ عودوا للجحورِ
وهلِّلوا باسمِ الذي سلبَ المدينةَ أمْنَها واستبدلَ الفقراءَ
بالجوعى حبيبتيَ المنيعةَ لا اعتلتْ أسوارَكِ الغربانُ
هذا البحرُ يسكنُ في مخيلتي ويبحثُ عنكِ
في نفسي ويُنسيني تقاليدَ الخشوعِ
مع النوارسِ في الظهيرةِ زرقةُ الأمواجِ
قاسيةٌ كلونِ التانزَنيتِ ولمعةِ الصَّفِّيرِ تلسعني
بذكراةِ النبالةِ عن حياةٍ عشتُها بيني وبينكِ
أعرفُ الماضي وأحبسهُ متى أحتاجهُ في قمقمٍ
كالماردِ المنهوكِ في قاعِ الزجاجةِ باردًا كالفقمةِ
العمياءِ في القطبِ البعيدِ تناثرَ الرمانُ يقلقني
التفاؤلُ واندلاعُ الفقرِ من بينِ البيوتِ وأعشقُ
الدرَّاقَ أيضًا مثلما حررتُ في عينيكِ أحلامي
ونبعُكِ طعمُ منقوعِ السفرجلِ شَرْبةِ الخروبِ
باردةً على مهلٍ نحبُّ وبيتنا الريفيُّ أجملُ في المواسمِ
كلها نارٌ على طرفِ الصحارى الحانقاتِ
وإنها الحربُ التي تقضي بأنْ نعتاشَ من أزماتِنا
نثرى من الموتى وأعدادِ الأيامى المجبراتِ
على احتسابِ الموتِ من ميراثهنَّ كم الحياةُ الآن
مضحكةٌ وعاريةٌ كمن فقدت أنوثتَها على جنبِ
الرصيفِ وبالغتْ في الحبِّ حتى لم تعد تقوى
على جعلِ الكلامِ مناسبًا للبوحِ مربكةٌ
مسافاتُ الفراغِ ولستُ ممتنًا لشيءٍ لا يقربني
إليكِ حبيبتي أنتِ اعترافي أنني أصبحتُ أجرأَ
ضالعًا في الشكِّ أيضًا أُخرجُ النياتِ من
قلبي كلبِّ البذرةِ الملأى برائحةِ النضوجِ كشهوةٍ مفصودةٍ
تقوى على صوتِ الضميرِ المُستغِلِّ وفي
زمانٍ ما بعيدًا حيث كانَ الوقتُ يسأمُ من تراخينا
ونزعتِنا لتنظيفِ الحياةِ من التأففِ كنتُ أكبرُ
حينَ تأتيني الفراشةُ من وراءِ السورِ صافيةً كلونِ
الشمسِ كانَتْ لي أماكنُ ليس يعرفها سواي
وحين أذكرها أراني طاهرًا متصالحًا مع كلِّ
شيءٍ إنهُ قدَرُ الحكاياتِ البعيدةِ أنْ تعودَ
ولا تُعيدُ سوى الحنينِ من المدينةِ للمدينةِ
من بيوتٍ أوجعتني للحواكيرِ التي كانت تطيرُ
كما الزرازيرُ النحيلةُ من قرىً مسكونةٍ بتوقعاتٍ
تستمرُ لشارعٍ لا ينتمي للحبِّ هذي مفرداتُ
النارِ هذا ما يريدُ المُرجِفونَ أنا القديمُ المُستعَادُ
أنا البريءُ وصاحبُ الأحلامِ لن تجدوا مع
الأيامِ مثلي لن تُكررَني الحياةُ فقد قطعتُ البحرَ
وحدي وانهمرتُ من السماءِ على الذرى وبنيتُ
أولَ معبدٍ حتى القرابينُ التي قدمتها ذُبحَتْ على
طربٍ ونشوى مثلما فعلتْ فساتينٌ لها رقصتْ
على قدَمِ العشيقِ كما يقولُ نزارُ قباني وأحرقتُ
البخورَ على المداخلِ حاملًا معيَ المشاعلَ
أولَ العُبَّادِ كنتُ وآخرَ الموتى ومفتاحَ الفراديسِ
الفسيحةِ والمُهلِّلَ بالتسابيحِ السخيةِ والنشيدِ
أنا أنا ستكونُ مثلي لو صحوتَ مبكرًا ونزعتَ
نفسكَ من ترابِكَ واتخذتَ النورَ مهدًا وارتميتَ على
الهواءِ مداعبًا أحلامكَ البيضاءَ جربْ أنْ تُميتَ
الخوفَ فيكَ وأنْ تعيشَ كما تريدُ بدونِ أنْ تؤذي
وتؤذى سوف تصحبكَ الملائكةُ المنيرةُ لن تُلامَ و لن
تلومَ فقط ستعرفُ ما عرَفتُ أنا البدايةُ للنسيجِ
الحرِّ ألبسُ من حريرِ النفسِ ما يقوى على
فتحِ الضميرِ وغسلهِ بالماءِ بالبرَدِ المقدسِ أنتَ
تشبهني ولكنْ فيكَ أفكارُ الذين يأولونَ الحقَّ
ينتهكونَ جوهرَكَ الإلهيَّ القديمَ تناثرَ العشاقُ
وانتفضَ الفؤادُ حبيبتي عيناكِ لي سفري ودنيا
خلفَ هذا الوقتِ خلفَ زجاجِ هذي النافذاتِ
المستفيضةِ بالشجونِ تكاثرَ الوعاظُ في الطرقاتِ
أربكنا انحدارُ الروحِ نحو الهاوياتِ لأننا جبناءُ
لن نختارَ ما دومًا تقدمهُ الفصولُ ولن نحبَّ التوتَ
أيضًا هكذا ستظلُّ تخذلنا المدينةُ والعلاقاتُ السقيمةُ
كلُّ هذا البؤسِ يصنعهُ الفقيرُ وفاقدُ النفسِ
الطموحةِ من يموتُ حبيبتي سيغيبُ في الظلماتِ
نحنُ النورُ فلتسقطْ مقولاتُ الهزيمةِ والتراجعِ
إنهُ وقتُ التسامحِ واخضرارُ اللوزِ وقتُ السنبلاتِ
وعبهراتِ الليلِ يا سورَ الحكايةِ يا سميري
راقَ لي أنْ أحفرَ الأشعارَ في عبقِ النبيذِ وأُسْكِرَ
الأحلامَ بالصورِ البديعةِ في شفاهكِ همسةٌ وأنا
الضحيةُ دائمًا لكَ يا هوى مني السلامُ سلِمْتَ من
داعي النوى ولبَسْتَ من ريشِ الطيورِ خفيفَهُ
وحملتَ من طيبِ الوعودِ عتيقَها سفَري ينادي والطريقُ
لمن يغادرُ والمحطةُ للذين يودِّعونَ وراءَهم ذكرى
وبيتًا عاثرٌ حظُّ الفتى إنْ لم يكنْ متوِّحدًا
مع كونِهِ متماسكًا كالزئبقِ السحريِّ مختفيًا وراءَ
ستائرِ الحلمِ الطليقِ شعورُ قلبي بالوداعةِ نابعٌ
من أنني نَسْلُ الأيائلِ فكرةُ الغولِ التي سكنتْ
مخيلةَ القبيلةِ رغبةُ النسوانِ في حملِ الجرارِ من
الغديرِ إلى الخباءِ صحوتُ من نومٍ ونومي
موغلٌ في البُعْدِ في تصويرِ ما أحتاجهُ في
الصحوِ شيئًا لا يُصَدَّقُ وانتصرتُ على المخاوفِ
واحتملتُ الاعتقادَ بأنَّ ما يأتي سيغفرُ لي
مساوىءَ لم تكنْ في البالِ لكنْ طالما ماءُ القلوبِ
دماؤها سأظلُّ أعدو خلفَ آمالي الكبيرةِ أسحبُ
الأحلامَ من تحتِ الغمامِ وأجعلَ النياتِ أصفى
من مياهِ النبعِ هذا ما اعترفتُ بهِ وحيدًا
صادقًا في الغرفةِ الأولى حديثي نزفُ قلبٍ موجَعٍ
وحبيبتي قلبي الذي لا ينطفىءْ.
السبت ١٦/٢/٢٠١٩
حديثُ الغرفِ الأخيرةْ

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى