محمد أبو العزايم - ضُمَّ إلى بعضك بعضَكَ..

ضُمَّ إلى بعضك بعضَكَ ،
واقفز فوق حصانِ تداعيكَ
وجرجِرْ مِزوَلةَ الوقتِ وراءكَ ، واركض عكسَ مسارِ الزمنِ
وواصِل حتى ما قبلَ زمانِ الذاكرةِ الأولى ،
وامسح من دفترِ أحوالِ الميلادِ اسمَك ،
ضُمَّ إلى بعضِك بعضَكَ ،
واخرُج من برد كوافيلكَ
واترك ثديَ الأُمِّ
وضُمَّ إلى بعضك بعضَك
واسحب مِلعَقَتكَ من مائدةِ أبيكَ ،
وزحزِح أخوتك قليلًا حتى تنسدَّ الفُرجَةُ بَعدكَ
واقسِم بين جيوبِ أشقائكَ بالعدلِ قروشَ المصروفِ اليوميِّ
وضُمَّ إلى بعضِكَ بعضَكَ
لاتَكُن الطفلَ الماشيَ بينَ عيالِ الشارعِ
في سِكَّةِ أول مدرسةٍ عرفتْكَ ،
وضُمَّ إلى بعضِكَ بعضَكَ
واسرقْ من دُرجِ مراهقةٍ - كانت تهواكَ-
رسائلَ حبٍّ ساذَجةً كُنتَ كتبْتَ
وضُمَّ إلى بعضِكَ بعضَكَ
مَزِّقْ تذكرةً لقطارٍ أوَّلَ شالَكَ للقاهرةِ ،
قطارٍ مَدَّ قضيبيهِ يُقلِّبُ في الألوانِ فأخرجَ هذا الأبيضَ،
فصّلَ مِعطَفكَ الأبيضَ مِنهُ لكي تقتاتَ ،
وأكفانَ الشاعرِ كي تقتاتَ على روحِك نصفُ حياةٍ ،
فاخلعْ معطفكَ الأبيضَ
واخرج من أكفانِكَ كى تَلقى موتَكَ نِدًّا للندِّ
وتكتبَ مَرثيتَكَ بنفسكَ
حتى لو قيلَ بأنَّ الشاعرَ معطفُكَ الأبيضُ
أو قيلَ بأن الشاعر لم يكُ شيئًا.،
أولى بكَ أنتَ ، وأنتَ مُريدوكَ
فضُمّ إلى بعضك بعضَكَ
واقرأ مرثيتكَ على نفسكَ ، واطرَبْ لهزيمتكَ الأجملِ
واخرج مُنتصرًا فرحانَ ،
ولا ترجعْ زعلانَ إذا أخفقتَ ، فإنكَ في شيئين اثنينِ ستُخفقُ
تُخفِقُ حينَ تحاولُ أن تُفلِتَ من أيدي رفقتكَ يديكَ ،
فإنَّ الأيديَ ليست مشتبكاتٍ في الأصلِ ،
وتُخفقُ حينَ تُحاولُ
أن تمحوَ أثرَ خطاكَ على أسفلتِ الميدانِ ،
فأثَرُ خُطاكَ احتالَ " كروموسومًا" أو " جينًا "
لرفيقٍ لم يولد بعدُ ، سيولدُ أوسعَ صدرًا منكَ ،
وأضيقَ مِنكَ خيالًا ،
فاهتف من لحدكَ في الأرضِ وراءَ رفيقِكَ هذا حتى
تتَّزِنَ خطاهُ إذا هتفتْ سمواتٌ كانتْ تمشي جنبَك في الميدانِ
ولكنَّ الدائرةَ اختارتها لتكونَ السُّحْبَ وأبقَتْكَ لدَورِ النهرِ ،
انفلِق الآن لكي يعبركَ رفاقٌ آتونَ غدًا لبلادٍ أرحبَ
ضُمَّ إلى بعضك بعضكَ ،
واحرِقْ أشعاركَ واصرخْ مبتهجًا
لَنْ تنكشفَ على العالمِ سوءاتُكَ ،
إنكَ أتفَهُ من أن تحفظ أصحابُكَ أشعارَكَ
سيقولونَ مرَرْتَ خفيفًا ،
وخفيفٌ _ حقٌّا _ أنت الآنَ ، فعُد مرضيًّا ،
واستلقِ بقلبِ حبيبتكَ الأوفى لكَ منكَ ،
ومن دفترِ أحوال الميلادِ ، ومن ثدي الأمِّ
ومن مائدة أبيكَ ، ومن مِعطفك الأبيض ،
من شعرٍ كنت كتبتَ وشعرٍ كنت قرأتَ
فضُمَّ إلى بعضكَ بعضَك
منتظرًا موتكَ وحدكَ مُدَّ يديكَ وأسبل جفنيكَ على عينيكَ ،
وضمّ إلى بعضكَ بعضكَ أكثرَ
حتى تَضمُرَ
ورُويدًا فرويدًا يصغُر حيِّزكَ
ويصغرُ،
يصغرُ
يصغرُ..
حتى تتلاشى.


#محمد أبوالعزايم.




تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى