حسونة فتحي - لم أخبر أحدًا..

صباحٌ شتويّ هادئ
مرّت شهور طوال
وأنا أنام دون أحلام ملوّنة
ولا كوابيس تداني قسوة الواقع

في زمن سحيق
وصباح شتوي مشابه
قالت:
“رأيت الليلة عمّي في الحلم”
قال:
“روح أبي إذن تطلب صدقة، سأذبح ذبيحة أوزعها”
وغادر إلى عمله
قلتُ – ببلاغة ابن الخمس سنوات:
“وأنا رأيت الله يا أمي”
قالت- بنبرة حادة:
“لا تخبر أحدًا بهذا”
استأنفتُ:
“كان جالسًا على كرسيّه ودعاني إلى جواره
ضحِكَ لي
وربّت على كتفي
ضحكتُهُ طيّبة وجميلة”
كرّرَتْ قولَها وأكّدَتْهُ: لا تخبر أحدًا
لم أخبر أحدًا، ولم يَكِدْ لي أحد
ولم أدرك أسباب رُعبها لسنوات
كلما مرِضْتُ أو تأخرتُ.

بعد عشر سنوات
وفي صباح شتوي مشابه قلتُ:
“رأيتُ الليلةَ وجهَ الرسول
مقبلاً عليّ من أعلى الجبل
ويضحك لي”
قالت – بعد أن صلّت عليه:
“إممم
ربما جاء ليذكّرك أن تظل قريبًا من الله
ولك أن تُخبر من تشاء بما تشاء”
لكني لم أخبر أحدًا
ولم أعرف أين الله لأخطو تجاهه.

بعد نحو خمس وثلاثين سنةً
وفي صباح ممطر قالت:
“رأيتُ الليلةَ وجه أبيك”
قُلتُ:
“علَّ صَدَقةً جاريةً تُريني وجهه”
قالت:
“بعد عمر طويل”
لم أعقِّب
تصدّقتُ.. ولم أرَ وجه أبي
لكنْ بعد سنواتٍ قلائل
رأيتُ وجهيهما معا
ضاحكين مستبشرين.

لم أعد يا أمُّ أخبر أحدًا
بل كدتُ أنسى
أني ذات صباحٍ شتويّ
رأيت وجه البلاد
عابسًا.. ساخطًا
وأني
منذ ذلك الوقت
أنام دون أحلام ملوّنةٍ
أو كوابيس تداني الواقع.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى