محمد أبو العزايم - نوافذُ في جدارِ الليل.. شعر

لكَ في بَريدِ الغيبِ ثَمَّ رسائلٌ ،
أصحابُها ترَكوا الحياةَ وناسَها ،
وكأنّهُم - للآنَ - لَمْ !
يا أيُّها المُمْتَدُّ جُرحُكَ مثلما
يمتدُّ ليلُ العاشقينَ ، ومثلما
يمتدُّ دربُ السائرينَ إلى البلادِ المستحيلةِ ثَمَّ مُغتَسَلٌ طهورٌ باردٌ ،
فاركُض بِروحكَ واغتسِلْ ،
ثم التجِئْ لِهواءِ عُزلَتِكَ النَّظيفِ ،
ولا تُكَلِّمْ غيرَ مَن تَرَكوا رسائلَهمْ ينابيعًا تَفَجَّرُ في جدارِ الليلِ ،
إنَّ الناسَ هُمْ.
واركَنْ إلى مَوتاكَ تلْقَ أياديًا بيضاءَ ،
إنَّ إشارةً تَكفيكَ ، أو إيماءَةً بالرأسِ كي يتمَوسقَ الوجعُ المُعَربِدُ في ضلوعكَ ،
لستَ أنتَ النّاقصَ التكوينَ ،
لكنَّ انشغالكَ باكتمالكَ في عيونِ النّاقِصينَ جِنايَةٌ ، والشَّكُّ جُرمْ
حَدِّقْ ، تَرَ الأحبابَ مُلتَفِّينَ حولَ الشايِ عِندكَ ،
قُلْ لِصاحِبِكَ الجنوبِيِّ الذي وضعَ السِّقايَةَ في رِحالكَ - خُلسةً -
لَمَا هَمَمْتَ بأنْ تُغادرَ يائسًا :
كَمْ مُؤنِسٌ هذا الحُضورُ الدَّاقِقُ الأبَدِيُّ ، كَمْ هُو غامِرٌ هذا الخِطابُ الدافئُ الأبَوِيُّ ، كَم هوَ آسِرٌ هذا الضياءُ السَّرْمَديُّ ،
وَقُلْ لِنفسِكَ تَطْمَئنُّ فَإِنَّهُ دَومًا هُناكَ على الطريقِ يَمُدُّ ساعدَهُ الفتِيَّ ،
إذا كبَوْتُ يشُدُّني ويقولُ : قُم.
كَلِّمْ بُخارَ الشايِ في الليلِ الطويلِ
عن ادخارك دمعة الفرَحِ المُؤجَّلِ ريثما تجد الطريق إلى القصيدةِ ،
شاطِرٌا تَسعى لسِتِّ الحُسنِ في أقصى أقاصي الأرضِ ، لا جبَلٌ يعوقُ مَسيركَ المحفوفَ بالغُرُباتِ أو بَحرٌ خِضَمّْ .
لَكَ أن تَحُطَّ الآنَ رَحْلَكَ في الحِكايةِ ،إِنما تغدو الحكايا مُنْصِفاتٍ
عندما يغدو الدُّخولُ إلى عوالمها يسيرًا ،لا يُكَلِّفُ غيرَ بَعضِ تَغافِلٍ ،
إذْ تَتْرُكُ الأبوابَ نِصفَ مُغَلَّقاتٍ كي يَمرَّ لِبالكَ الصَّعبِ الخيالُ
- بلا عناءٍ - حينَ تنهزمُ المسافَةُ بَينَ عقلِكَ والخيالِ ،
وبينَ جُرحِكَ والجمالِ ، وبينَ سَعيِكَ والكَلالِ
وبيَنَ صبرِكَ والمَلالِ ، وبينَ صَمتكَ والقَلَمْ.
وّدَمٌ..بِدمّْ.
فابصقْ بِوَجهِ أكابرِ الحرفِ المُعَلَّبِ والمُقَولبِ ، والمُسَيَّسِ ، والمُدَنَّسِ ، والمُكرِّسِ لامتهانِ الشعرِ في تلكَ البلادِ وقُل لَهُمْ :
هذي البلادُ - على اتِّساعٍ - كيف ضاقتْ بي أنا ،
وأنا ابنُ ما خَطَّ الجنوبيُّ الذي فَوضاهُ رتّبَتِ الخرائطَ كُلَّها ،
هذا الذي لولاهُ ما كانتْ بلادٌ ، أو جِهاتٌ ، أو حدودٌ ترتَسِمْ.
لكَ أنْ تبوحَ بِكُلِّ ما خَبَّأتَ - مِن زمَنٍ -
وتَتْرُكَ ذلك السَّمتَ المسالِمَ والمُهَذَّبَ - مَرَّةً- وَتَسُبَّهُمْ ،
وتَصُبَّ شايَكَ تاركًا لِبُخارِهِ النّشوانِ أنْ يختارَ شكلَ مسارِهِ ، للشايِ أنْ
يختالَ تَحتَ بُخارهِ ، يختارَ حاملَهُ ، وساقِيَهُ ، وشارِبَهُ الأهمّْ.
لَكَ أنْ تكونَ كما تشاءُ وما أشاءُ ، الآن ضع ساقًا على ساقٍ ،
وساقٍ سوفَ يستَسقونَهُ - يا أيُّها المَنْسِيُّ- ما نَزَفتْهُ روحُكَ ،
حينَ كنتَ تُطالِعُ الأسماءَ - في شَغَفٍ - وتَرجِعُ خائبًا ، وتعودُ مرَّاتٍ تُراجعُها ، فلا اسمُكَ حاضِرٌ أو أنتَ ثَمّْ.
سَيُشيرُ للأكوابِ كي تَتَفَرَّسَ الأكوابُ في كلِّ الوجوهِ ، وَكِي تُمَحِّصَهُمْ وتَصطَفيَ الذينَ الشعرُ هَمُّهُمُ الوحيدُ ، الشعرُ عِقدُهُمُ الفريدُ ، الشعرُ عَرشُهُمُ المجيدُ ،
الشعرُ مَشْيُهم الوئيدُ إلى الحقيقةِ ، لا تَزِلُّ على الطريقِ لهم قدَمْ.
يا أنتَ
صُبحُكَ ما تأَخَّرَ ، إنَّما كانتْ -على مَهَلٍ -
تُرَبِّي نخوَةُ الشِّعرِاشتعالَكَ لاءةً أُخرى ،
وكان الفجرُ مُرتَقِبًا لِيَبْلُوَكَ انْفَطَرْتَ أم انتصْرتَ،
وهل صَعَدْتَ أم انحَدَرْتَ تقولُ إن قال القطيعُ نَعَم : نَعمْ.
يأ أنتَ صُبحُكَ ما تأخَّرَ ،
إنَما قدْ كانَ ميقاتًا.. وَتَمّْ.

محمد أبوالعزايم

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى