عبد الحكم بلحيا - وردة البلد.. شعر

مَدينةُ الوَرد، بَلْ قُل: وَردَةُ البلَدِ
أَمْ ضِحكَة اللهِ في تَعوِيذَة الأبَدِ
يا بِنْتَ إفْرِيقِيا، يا أُخْتَ أندَلُسٍ
صَحِيحةُ المَتْنِ، لا مقطُوعةُ السَّنَدِ
لَأنتِ أوسَعُ من أرضٍ و صُورَتها
وأنتِ أرفَعُ مِن سَقْفٍ بِلا عَمَدِ
يا دارَ أفراحِنا، يا صِنْوَ بَهْجَتِنا
يا خَفْقةَ الرُوحِ، بلْ يا شَهْقَةَ الجسَدِ
ويا مَنارةَ شَعبٍ في مَوَاسِمِهِ
يسْمُو لِقَلبِك من قُرْبٍ ومن بُعُدِ
ويا سَفِينةَ أمْجادٍ مُلَوِّحةً
بالأبيَض الأحمَر المُخضَوْضِر الغَرِدِ
ويا حَكايا مَغانِينا بِذاكِرَةٍ
تُطَرّزُ الوَقتَ سُجّادًا من الزرَدِ
وأنتِ زُغرُودَةٌ في حَلْقِ لَهْفَتِنا
في لَيلةِ النصرِ، أو في ساعةِ الكَمَدِ
وَراءَكِ الْتَفِتي؛ هل زالَ رجعُ صَدى؟
أمامَك اطَّلِعي؛ لَولاكِ أيُّ غدِ..!؟
*
قال "الفُرَات" شَقيقٌ كمْ أراقَ دَمي
فهل رأى "الوادِيَ" المُنْساحَ في خَلَدي
فيا دِمشْقُ اشْهَدي أنّي جبلْتُ هُنا
العِطرُ و"السبْعةُ الأبوابُ" طَوْعُ يَدي
هُنا "الشَرِيعَة"، يا صَنْعاءُ، يا جَرَشٌ
مِحرابُ مُبْتَهِلٍ ، أو ظِلُّ مُبْتَرِدِ
هذا "الكَبِيرُ" علَى البُسْتانِ مُعتَكِفٌ
و غُلّت النارُ في حَبْلٍ منَ المَسَدِ
"متِّيجةُ" البَرَكاتِ اسْمٌ لِجَنَّتِنا
بِأَيِّ آلاءِ أُيْدِي الرَّبِّ لَمْ تَجُدِ ؟
هُنا تجَوْهَرَت الصَّحراءُ و انْدَلَقَتْ
فعَسْجَدُ الأُنْسِ في إسْتَبْرَقِ الرَّغَدِ
أنفاسُ "غَرناطةٍ"، أطيابُ "قُرْطُبةٍ"
أشواق "مُعتَمِدٍ"، أحلامُ "مُعتَضِدِ"
هُنا يُؤَبِّدُ تاريخٌ مَلاحِمَهُ
هُنا تَجَغْرَفَت الفِردَوسُ لِلأبَدِ
هُنا الحِجارةُ أيّامٌ مُجَسَّمَةٌ
زِيريّة الوَجْهِ، مازيغِيّةُ العَضُدِ
هُنا يُكَثِّفُ إنْسانٌ حِكايَتَهُ
فالأبْجَدِيّاتُ طَمْيٌ فائِضُ الزَّبَدِ
هُنا اختَزَلْتُ مَحَبّاتي الّتي انْفرَطَتْ
هُنا انْدَغَمْتُ بِأجزائي.. و مُلْتَحَدي
*
يا بُرْتُقالةَ قَلبي.. في تَوَلُّهِهِ
يا سِنْدِيَانةَ رُوحي.. لَحظةَ النكَدِ
ويا صَنوبَرَةً.. في العِزّ.. راسِخةً
تأثّلَتْ في صُخُورِ الشاهِقِ الصَّمَدِ
لَوْنانِ وَجهُكِ ؛ أنّاتٌ مُخَبّأةٌ
ونَظْرةٌ مِن وَراء البابِ في الأمَدِ
إنْ جاسَ وَحشٌ على أطرافِ أَرجُلِهِ
فطَائِفُ المَوْتِ في عَيْنَيكِ لَمْ يَكَدِ..
وكيفَ يَغْتالُنا طِفلٌ.. نُراهِقُهُ
مِن عَهْدِ "قد خُلِقَ الإنْسانُ في كَبَدِ"
لا أنتِ وَحدَكِ.. لا البَلْوَى تُحاصِرُنا
إذْ نحنُ مَن رَوّضَ الدُّنيا على الجَلَدِ
الأربَعُونَ.. مَلايينًا.. بك الْتَحَمُوا
فبَسْمَةُ الظَّبْيِ تَرفُو نظرَةَ الأسَدِ
والواقِفُونَ بِخَطّ النار من دَمِنا
مَلائكُ الأرضِ، رُسْلُ الغَيْبِ بِالسُّعُدِ
والأمّهاتُ.. مَواويلًا و أدعِيَةً
يا رحمةَ اللهِ.. في أُمٍّ على ولَدِ
هُنا اسْتَدارَ هِلالٌ حَوْلَ نجْمَتِهِ
يحُفُّها بِالرضَى والحُبّ والمَدَدِ
هُنا نُحَضّر أعيادًا مُؤجَّلةً
لِيَوْمِ تُشْفَى لَيالِينا مِن الرَّمَدِ
هُنا الأماكنُ والأزمانُ ناقِصَةٌ
وأنت سَدُّ.. وفَكُّ الثَّغْرِ و العُقَدِ
وسَوْفَ يُبعَثُ شَعبٌ منكِ ثانِيَةً
لكَيْ يَسِيرَ إلى الرُّؤيَا بِلا أَوَدِ
وسوفَ نَبْكي على أسْوارِ فَرْحَتِنا
ونَنْتَشِي في فيُوضِ الواحِدِ الأحَدِ
قَصِيدةٌ أنتِ.. لَمْ تُكتَبْ نِهايَتُها
و رَبُّ مَعناكِ لَمْ يُولَدْ و لَمْ يَلِدِ
علَيْكِ مِن سائرِ الأرجاءِ أغْنِيَتي:
"بُلَيْدَة الوَردِ .. يا وُرَيْدَة البلَدِ".



عبدالحاكم بلحيا - 2020/04/20


................................
* هوامش:
- مدينة البلَيدة أسّسها الأندلسيّون.
- سيدي الكبير هو مؤسّسها ومُهندس تُرَعها، وبِاسمه ما تزال الزاوية/ المسجد هناك.
- لمدينة البُلَيدة سبعة أبواب: باب دزاير، باب السبت، باب الزاوية، باب خويجة، باب الرحبة، باب القصب.
- يكتنف البليدة جبل الشريعة، وواد الشفّة السياحي، وسهل متّيجة بمروجه الخصيبة.. (برتقال، صنوبر، بلّوط، أَرز...)
- الورَيْدة: من الألقاب المحَلّية لمدينة البُلَيدة. وهو يقابل كُنيَتها المشهورة: مدينة الوُرود.



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى