(أدب العزلة في زمن الكورونا)
الميزان أوّل شيء تُشير المُمرّضة به إليّ في كلّ مرّة أدخلُ مكتبها في بداية كلّ مراجعة لي لمنظمّة (أطبّاء بلا حدود)، خشيتي من مخالفة أوامرها؛ من فوري أستجيب أيضًا بالجلوس على الكُرسيّ المُخصّص لقياس الضّغط. لا أدري لماذا أحاول إظهار التزامي بإشاراتها..!!؟. ولم يخطر ببالي مرّة التمرّد عليها.. أو بالتلكّؤ في تنفيذ ما تطلب منّي. بينما هي منشغلة في تسجيل بيانات قراءاتها وملاحظاتها عن حالتي، ولا تلتفتُ لي.. بينما أمتثل لإشارتها بالخروج والانتظار.
في صغري لم أعتد الالتزام بالدّور على باب الفرن في الصّباح الباكر قبل ذهابي إلى المدرسة، لأنّه لم يكن هناك دور، باءت جميع مُحاولات المصلحين في تخفيف المُزاحمة على الكُوّة الصغيرة، المسدود ولا يظهر منها، كان تحتها مباشر تاج عمود أثريّ هو الضّمان لي ولأمثالي الصّعود إليه والتجمهر فوقه، بتلاصق عجيب لا يخلو من مضايقات.
في العام 1986 قدمتُ إلى الأردنّ للعمل فيها بمهنتي، التغيير مهمٌّ بالاختلاف عمّا اعتدتُه هناك في بلدي، كثيرًا ما سمعتُ عبارة هناك: "إذا تعلمّنا الالتزام بالدّور.. سنرتقي". باب الفرن كان مدرسة مختلفة بدروسها، تعلّمنا أنواع السّباب والشّتائم، والتشابك بالألسنة غالبًا ما يتطوّر إلى عِراك بالأيدي، في بعض الأحيان كان أحدهم يسحب موس الكبّاس أو الكندرجيّة، السّكّينة الرقيقة المغلفّة بالجلد يتجنّدون بها تحت حزام البنطلونات.
المرّة التي حدث فيها انقلاب بمفهوم بيع الخبز، عندما كتبوا لائحة فوق الفتحة التي يخرج منها الخبر: الرجاء الالتزام بالدّور، امتدّ الصفّ بالتواءاته كأفعى تتلوّى في زحفها. الفكرة عظيمة أن أنتظم في صفّ مع أمثالي، الخروقات المُتكرّرة من النّافذين كالشّرطة والأمن والموظفيّن وأقارب البائع وجيرانه، وجيران أبناء خالته. قهري لم يتبدّد إلى الآن منذ ذاك الوقت، أنّ بيع الخبز توقّف، وانتهى العمل في الفرن مع انقطاع التيّار الكهربائي، رجعتُ خاليَ الوِفاض، وأذيال الخيبة تتجرجرُ خلفي.
مجيء حظر الكورونا مفروض بالقوّة، عدم خروجي من البيت خوفًا أن أخالف القانون، كي لا أتورّط في عقوباته الصّارمة، خطر لي تقبّل الأمر على غير هذا المنحى، فلماذا لا يكون الموضوع يأخذ بُعدًا فلسفيّا في أحاديثي خاصّة مع جماعة المُثّقفين أصدقائي وغيرهم. دائمًا ما أعرب لهم عن سروري على أني مُلتزم، ولن أخرق الحظر مهما كان الأمر.
ذهبتُ تطرّفًا في آرائي: "الحصار حياة جديدة، خارج الحدود لتحطيم الملل والضّجر، المُتناوب سعيًا لاحتلال ساحات الفرح في قلبي". أردتُ إبراز البُعد الجماليّ لعدم خروجي مُتذرّعًا بالالتزام قسرًا. أضحكُ من نفسي سرًّا بحقيقة ما أُخفيه في داخلي. سأضرب عرض الحائط كلّ التعليمات والأوامر لولا الخوف مانعي.
الميزان أوّل شيء تُشير المُمرّضة به إليّ في كلّ مرّة أدخلُ مكتبها في بداية كلّ مراجعة لي لمنظمّة (أطبّاء بلا حدود)، خشيتي من مخالفة أوامرها؛ من فوري أستجيب أيضًا بالجلوس على الكُرسيّ المُخصّص لقياس الضّغط. لا أدري لماذا أحاول إظهار التزامي بإشاراتها..!!؟. ولم يخطر ببالي مرّة التمرّد عليها.. أو بالتلكّؤ في تنفيذ ما تطلب منّي. بينما هي منشغلة في تسجيل بيانات قراءاتها وملاحظاتها عن حالتي، ولا تلتفتُ لي.. بينما أمتثل لإشارتها بالخروج والانتظار.
في صغري لم أعتد الالتزام بالدّور على باب الفرن في الصّباح الباكر قبل ذهابي إلى المدرسة، لأنّه لم يكن هناك دور، باءت جميع مُحاولات المصلحين في تخفيف المُزاحمة على الكُوّة الصغيرة، المسدود ولا يظهر منها، كان تحتها مباشر تاج عمود أثريّ هو الضّمان لي ولأمثالي الصّعود إليه والتجمهر فوقه، بتلاصق عجيب لا يخلو من مضايقات.
في العام 1986 قدمتُ إلى الأردنّ للعمل فيها بمهنتي، التغيير مهمٌّ بالاختلاف عمّا اعتدتُه هناك في بلدي، كثيرًا ما سمعتُ عبارة هناك: "إذا تعلمّنا الالتزام بالدّور.. سنرتقي". باب الفرن كان مدرسة مختلفة بدروسها، تعلّمنا أنواع السّباب والشّتائم، والتشابك بالألسنة غالبًا ما يتطوّر إلى عِراك بالأيدي، في بعض الأحيان كان أحدهم يسحب موس الكبّاس أو الكندرجيّة، السّكّينة الرقيقة المغلفّة بالجلد يتجنّدون بها تحت حزام البنطلونات.
المرّة التي حدث فيها انقلاب بمفهوم بيع الخبز، عندما كتبوا لائحة فوق الفتحة التي يخرج منها الخبر: الرجاء الالتزام بالدّور، امتدّ الصفّ بالتواءاته كأفعى تتلوّى في زحفها. الفكرة عظيمة أن أنتظم في صفّ مع أمثالي، الخروقات المُتكرّرة من النّافذين كالشّرطة والأمن والموظفيّن وأقارب البائع وجيرانه، وجيران أبناء خالته. قهري لم يتبدّد إلى الآن منذ ذاك الوقت، أنّ بيع الخبز توقّف، وانتهى العمل في الفرن مع انقطاع التيّار الكهربائي، رجعتُ خاليَ الوِفاض، وأذيال الخيبة تتجرجرُ خلفي.
مجيء حظر الكورونا مفروض بالقوّة، عدم خروجي من البيت خوفًا أن أخالف القانون، كي لا أتورّط في عقوباته الصّارمة، خطر لي تقبّل الأمر على غير هذا المنحى، فلماذا لا يكون الموضوع يأخذ بُعدًا فلسفيّا في أحاديثي خاصّة مع جماعة المُثّقفين أصدقائي وغيرهم. دائمًا ما أعرب لهم عن سروري على أني مُلتزم، ولن أخرق الحظر مهما كان الأمر.
ذهبتُ تطرّفًا في آرائي: "الحصار حياة جديدة، خارج الحدود لتحطيم الملل والضّجر، المُتناوب سعيًا لاحتلال ساحات الفرح في قلبي". أردتُ إبراز البُعد الجماليّ لعدم خروجي مُتذرّعًا بالالتزام قسرًا. أضحكُ من نفسي سرًّا بحقيقة ما أُخفيه في داخلي. سأضرب عرض الحائط كلّ التعليمات والأوامر لولا الخوف مانعي.