أيّها السّادة...
(عفوا يا سادة، قبل أن تقرؤوا شيئا من كلامه سألبسُ جنيّا وأهمسُ لكم بحقيقته، إنّه شيطان مخادع ولا يستحقّ منكم متابعة، فاحذروا نجاسته!)
أنا سنوات من زمن منبوذ جفلت منها الأنبياء، ومنذ أن سئمتُ قذارتي وأنا أصلّي للأمواج أن تغمر هذه الأرضَ لتطهّرها...
( إنّه يحاول إيهامكم أنّه إنسان مضطهد معذَّب، إنّها أنشودته الدّائمة، وحتّى قصصه الّتي يتشدّق دائما بواقعيّتها، لم تخرج عن هذا المنحى.. الذّات المعذّبة هي الرّاوي والبطل في نفس الوقت.)
زعموا أنّ البحر سينضبُ ولن أنجمَ وكانت حكايتي عندهم مسرودةً.
"فصل في الحكاية المسرودة"
في ليلة من ليالي شهرزاد، ركبتُ البحرَ كالسّندباد، أصارعُ الموجَ والصّخرَ وتصارعني حوّاءُ. لكنّها غلبتني وحطّمتْ زورقي، أغرقتني في عالم البحر.
على ربوة هناك في القاع بنينا بيتا. كان جميلا، وأجمل منه عيون ملهمتي ذات الشَّعر المحرَّم، عروس البحر.
كنّا دائما اثنين، لكن في اللّيلة الثّانية بعد الألف، كان آدم ثالثَنا فمددتُ يدي نحو الشَّعر المحرَّم...
سرابٌ أنتِ يا ملهمتي لكن لا تحزني، بعد النّهاية سنلتقي، قصّة حبّ مثيرة لنا، هناك، حيث العدمُ.
(يا لواقعيّته الزّائفة! هل صدّقتم؟ إنّه دائما يحلم، وحتّى قصصه الأخرى وأشعاره الّتي يدّعي أنّه يكتبها في لحظات انفعال رهيبة تبلغ درجة الهوس والانخطاف ليست سوى خيالات واهية.)
تلك كانت حكاية الفطرة ومنها تنطلق يا عبد الواحد، إنّكَ الآن اثنانِ: أنتَ وأنتَ، تفكّر مع الأنا ضدّ الأنا، عاريا في الصّورتين، لكنّكَ حين تنظر إلى المخطوط الّذي بيدكَ، تسهو عن صورتك الثّانية المنعكسة أمامك.
(وحتّى لا تختلط عليكم الأمور، سأريحكم من عناء اللّخبطة الّتي أوقع نفسَه فيها. أقول أوقع نفسَه فيها لأنّي متأكّد من ذكاء القرّاء. تُرْشَقّْ!)
لا أريد أن أتذكّر الفترات الّتي أقضّيها داخل الزّجاجةِ لأني لو استرجعتها سيسقط القلم حتما من يدي وسيُشَلُّ تفكيري، فلنتجاوزْ.
تئنّ بأحزانكَ يا عبد الواحد ويدُك اليمنى تقطر دمًا. قلتَ إنّكَ ستريح نفسَكَ من لحظة انفعالكَ الّتي طالتْ فعالجتَ المرآة الّتي أمامك بقبضة يدك ولو كانت تحمل القلم لما استعملتَها.
إنّكَ تريد أن تتخلّصَ من نفسك الأخرى فحطّمتَ رأسها وبقيتَ تتأمّلها وقد أدهشكَ رؤية جسدك من غير رأس: صدر ويدان ورجلان وبطن أسفلها حالة انفعال أخرى!
لو كان النّاس جميعهم هكذا دون رأس، لارتاح العالم من أعظم داء ناءت به الأرض. هذا الدّاء هو العقل. يا سادة، تصوّروا معي مدينة سكّانها بلا رؤوس، هل يتقاتلون من أجل رغيف خبز أو قطعة أرض أو إمرأة جميلة؟
أووه! يبدو أنّي بدأتُ أهذي. كيف تكون هناك إمرأة جميلة دون وجه أو شعر؟ عفوا عن هذا التّصوّر الخاطىء. إنّه وليد هذه اللّحظة المؤلمة، لكن، لا يهمّ مادمتم ستغفرون لي زلّتي لأنّكم وهذا لا يخفى عليَّ، تعرفون انتمائي وربّما تكونون من الّذين يقيسون عليّ خطواتي ويخفظون كلامي أكثر منّي...
( تقدّميّ ! ها ها ها، كثيرا ما تشدّقَ بهذه الكلمة في اجتماعاته السّرّية في الجامعة والمبيت. لكنّه ما إن يختلي بنفسه حتّى تتدافعَ عليه الهواجسُ والكوابيس، فيعيش حالةَ هذيان مرعبة أشبه بالجنون. أمّا إذا ما انتشى بقارورتي مرناڨ، فإنّه يتحوّل من الهذيان إلى الحلم.
"فصل في أحد أحلامه"
كان يجري وكان يعرف لِمَ يجري. قابيل ابن أمّه وأبيه في خطر بين براثن الغول. والغول من أكثر الوجوه الّتي تتكرّر في أحلامه. والغريب أنّ عددها فاق كثيرا العدد الّذي روتْهُ له جدّته.
قلنا إذن إنّه كان يجري. لكنّه وقبل أن يصل إلى غايته يهوي إلى أسفل فترتطم مؤخّرته بالأرض فإذا هو في جبّ عميق.
فرحَ لأنّ المكان أرحب من القبر وأهون من السّجن. نظر إلى أعلى. كانت عينا قابيل ترمقانه. ازداد فرحه:
- إنّكَ نجوتَ يا قابيل.
- نجوت؟
- من الغول.
- أيّ غول؟
ومن جانب وجه قابيل تصعد قدمان ناصعتان تحملان جسدا عاريا وشعرا أشقر.
- لقد اشترطت عليَّ أن أوقعَ بكَ لأصحبَها إلى بلدها. إنّها تريد أن تتأكّد من حبّي وولائي لها.
تحوّل الفرح هذه المرّة إلى قهقهات عالية. لقد تذكّرَ حكمة بالية تقول من حفر جبّا لأخيه وقع فيه.
يضحك!؟ صاحبنا الّذي ما فتىء يدّعي الشّرفَ ويؤمن بمبدأ المعاملة بالمثل يضحك لأنّ أخاه أوقع به من أجل سائحة. قال في نفسه إنّ هذا مجرّد حلم. وَلَوْ!!)
أيّها البحر تقدّسَ ماؤكَ كن نارا والتهبْ فالأرض ضمآى لأمواجك الصّاخدة. أنا وأمثالي لا تعبأ بنا. نحن نعيش في زجاجات وتعوّدنا أن نختنق...
( كفى دعاء أيها الجبان الهاجد، كلّ هذا من أجل الكتابة؟
يا للسّخرية
سيقولون قصّته رائعة؟ سخيفة؟ ترْشَقّْ !
وتتكسّرِ بقايا المرآة.
(عفوا يا سادة، قبل أن تقرؤوا شيئا من كلامه سألبسُ جنيّا وأهمسُ لكم بحقيقته، إنّه شيطان مخادع ولا يستحقّ منكم متابعة، فاحذروا نجاسته!)
أنا سنوات من زمن منبوذ جفلت منها الأنبياء، ومنذ أن سئمتُ قذارتي وأنا أصلّي للأمواج أن تغمر هذه الأرضَ لتطهّرها...
( إنّه يحاول إيهامكم أنّه إنسان مضطهد معذَّب، إنّها أنشودته الدّائمة، وحتّى قصصه الّتي يتشدّق دائما بواقعيّتها، لم تخرج عن هذا المنحى.. الذّات المعذّبة هي الرّاوي والبطل في نفس الوقت.)
زعموا أنّ البحر سينضبُ ولن أنجمَ وكانت حكايتي عندهم مسرودةً.
"فصل في الحكاية المسرودة"
في ليلة من ليالي شهرزاد، ركبتُ البحرَ كالسّندباد، أصارعُ الموجَ والصّخرَ وتصارعني حوّاءُ. لكنّها غلبتني وحطّمتْ زورقي، أغرقتني في عالم البحر.
على ربوة هناك في القاع بنينا بيتا. كان جميلا، وأجمل منه عيون ملهمتي ذات الشَّعر المحرَّم، عروس البحر.
كنّا دائما اثنين، لكن في اللّيلة الثّانية بعد الألف، كان آدم ثالثَنا فمددتُ يدي نحو الشَّعر المحرَّم...
سرابٌ أنتِ يا ملهمتي لكن لا تحزني، بعد النّهاية سنلتقي، قصّة حبّ مثيرة لنا، هناك، حيث العدمُ.
(يا لواقعيّته الزّائفة! هل صدّقتم؟ إنّه دائما يحلم، وحتّى قصصه الأخرى وأشعاره الّتي يدّعي أنّه يكتبها في لحظات انفعال رهيبة تبلغ درجة الهوس والانخطاف ليست سوى خيالات واهية.)
تلك كانت حكاية الفطرة ومنها تنطلق يا عبد الواحد، إنّكَ الآن اثنانِ: أنتَ وأنتَ، تفكّر مع الأنا ضدّ الأنا، عاريا في الصّورتين، لكنّكَ حين تنظر إلى المخطوط الّذي بيدكَ، تسهو عن صورتك الثّانية المنعكسة أمامك.
(وحتّى لا تختلط عليكم الأمور، سأريحكم من عناء اللّخبطة الّتي أوقع نفسَه فيها. أقول أوقع نفسَه فيها لأنّي متأكّد من ذكاء القرّاء. تُرْشَقّْ!)
لا أريد أن أتذكّر الفترات الّتي أقضّيها داخل الزّجاجةِ لأني لو استرجعتها سيسقط القلم حتما من يدي وسيُشَلُّ تفكيري، فلنتجاوزْ.
تئنّ بأحزانكَ يا عبد الواحد ويدُك اليمنى تقطر دمًا. قلتَ إنّكَ ستريح نفسَكَ من لحظة انفعالكَ الّتي طالتْ فعالجتَ المرآة الّتي أمامك بقبضة يدك ولو كانت تحمل القلم لما استعملتَها.
إنّكَ تريد أن تتخلّصَ من نفسك الأخرى فحطّمتَ رأسها وبقيتَ تتأمّلها وقد أدهشكَ رؤية جسدك من غير رأس: صدر ويدان ورجلان وبطن أسفلها حالة انفعال أخرى!
لو كان النّاس جميعهم هكذا دون رأس، لارتاح العالم من أعظم داء ناءت به الأرض. هذا الدّاء هو العقل. يا سادة، تصوّروا معي مدينة سكّانها بلا رؤوس، هل يتقاتلون من أجل رغيف خبز أو قطعة أرض أو إمرأة جميلة؟
أووه! يبدو أنّي بدأتُ أهذي. كيف تكون هناك إمرأة جميلة دون وجه أو شعر؟ عفوا عن هذا التّصوّر الخاطىء. إنّه وليد هذه اللّحظة المؤلمة، لكن، لا يهمّ مادمتم ستغفرون لي زلّتي لأنّكم وهذا لا يخفى عليَّ، تعرفون انتمائي وربّما تكونون من الّذين يقيسون عليّ خطواتي ويخفظون كلامي أكثر منّي...
( تقدّميّ ! ها ها ها، كثيرا ما تشدّقَ بهذه الكلمة في اجتماعاته السّرّية في الجامعة والمبيت. لكنّه ما إن يختلي بنفسه حتّى تتدافعَ عليه الهواجسُ والكوابيس، فيعيش حالةَ هذيان مرعبة أشبه بالجنون. أمّا إذا ما انتشى بقارورتي مرناڨ، فإنّه يتحوّل من الهذيان إلى الحلم.
"فصل في أحد أحلامه"
كان يجري وكان يعرف لِمَ يجري. قابيل ابن أمّه وأبيه في خطر بين براثن الغول. والغول من أكثر الوجوه الّتي تتكرّر في أحلامه. والغريب أنّ عددها فاق كثيرا العدد الّذي روتْهُ له جدّته.
قلنا إذن إنّه كان يجري. لكنّه وقبل أن يصل إلى غايته يهوي إلى أسفل فترتطم مؤخّرته بالأرض فإذا هو في جبّ عميق.
فرحَ لأنّ المكان أرحب من القبر وأهون من السّجن. نظر إلى أعلى. كانت عينا قابيل ترمقانه. ازداد فرحه:
- إنّكَ نجوتَ يا قابيل.
- نجوت؟
- من الغول.
- أيّ غول؟
ومن جانب وجه قابيل تصعد قدمان ناصعتان تحملان جسدا عاريا وشعرا أشقر.
- لقد اشترطت عليَّ أن أوقعَ بكَ لأصحبَها إلى بلدها. إنّها تريد أن تتأكّد من حبّي وولائي لها.
تحوّل الفرح هذه المرّة إلى قهقهات عالية. لقد تذكّرَ حكمة بالية تقول من حفر جبّا لأخيه وقع فيه.
يضحك!؟ صاحبنا الّذي ما فتىء يدّعي الشّرفَ ويؤمن بمبدأ المعاملة بالمثل يضحك لأنّ أخاه أوقع به من أجل سائحة. قال في نفسه إنّ هذا مجرّد حلم. وَلَوْ!!)
أيّها البحر تقدّسَ ماؤكَ كن نارا والتهبْ فالأرض ضمآى لأمواجك الصّاخدة. أنا وأمثالي لا تعبأ بنا. نحن نعيش في زجاجات وتعوّدنا أن نختنق...
( كفى دعاء أيها الجبان الهاجد، كلّ هذا من أجل الكتابة؟
يا للسّخرية
سيقولون قصّته رائعة؟ سخيفة؟ ترْشَقّْ !
وتتكسّرِ بقايا المرآة.