نجحتُ أخيراً في الوصول . تتبعت بدقةٍ ما كان مكتوباً في ورقةٍ صغيرةٍ مندسةٍ في جيبي عن الطُّرُقِ المؤديةِ للمكان واستمعتُ جيداً لنصائح الآخرين حين عدَّدُوا مزايا الوصول لأدواره العليا . وصلتُ إلى المبنى الزجاجيِّ الأزرقِ فهالني كَمُّ الإبهار ،الأناقةُ والفخامةُ اللتان تجتاحان تفاصيله وتزيِّنان أركانَهُ . كانت واجهةُ المبني زجاجيةً ، نوافذُ الأدوار زجاجيةً ، صالة الاستقبال ، حتى السلالم تبدو لي وكأنها زجاجيةٌ . صعدتُ درجتين ثم ولجتُ صالة الاستقبال سائلاً الموظف الجالس بهدوءٍ خلف الحاجزِ الزجاجيِّ فأومأ لي بيده ناحيةَ اليسار لأستقلَّ المصعدَ فأصلَ إلى بُغيتي في الطَّابَقِ قبل الأخير. لحظات قليلة ظهر بعدها رجلٌ وامرأةٌ وهما يبدآن شجاراً ، كان صوتهما يعلو تدريجياً وهما يتبادلان أقذعَ الشتائم . المرأة تتهم الرجلَ بالنَّذالة ، بينما الرجلُ يعاودُ اتهامَهَا بالخيانةِ . كان المتجولونَ في المكانِ ، والجالسون على المقاعدِ الوثيرةِ في ردهة الاستقبال ينظرون بهدوءٍ لا مُبالين . ثم ازداد انتباهُهم شيئاً فشيئاً عندما ازْدادتِ الأمورُ سوءاً بين الرجل والمرأة ، اِقْترب الناسُ فاقتربتُ مثلما اقتربوا، لكنَّهم حين حاولوا التدخل لِتهدئَتِهِمَا رَنَوْتُ مبتسماً ، متباعداً ، ولا مبالياً . ازدادتْ حميةُ الشِّجَار ، فازدادتْ رغبةُ المتجمهرين في تهدئتهِمَا !! كنتُ قد اقتربتُ أكثر ثم مرقتُ كالسهم بين الزحام ، وقد حالفني الحظُّ حين وجدتُ لي مكاناً فارغاً على شكلِ شريط ٍ طويلٍ ورفيعٍ ومتعرجٍ من الفراغ فعَدَوْتُ إليه مسرعاً لاهثاً . جعلتُ ظهري ملتصقاً للحائط ويَدَيَّ ممدودتَيْنِ ، تحولان بين صدري و دوائرِ العنفِ الصاخبةِ وكنتُ أدفع الزحامَ بعيداً عني بقبضة يدي أو ركلةٍ من قدمي إذا اقتضى الأمرُ . مسافةً قصيرةً مشيتُها وصلتُ بعدها لبابِ المِصْعَدِ العالقِ في الطَّوابقِ العُليا فضغطْتُ على مفتاح الاستدعاء للأسفلِ بينما كان الشجارُ قد اسْتَعَرَ، وازداد تكاثفُ البشر حول الرَّجُلِ والمرأةِ . ما إنْ وصلَ المصعدُ وانفتحَ بابُهُ حتى كان تشابك الأيدي قد بلغَ أشدَّهُ وكان قميصُ الرَّجُلِ قد تمزَّقَ في مواضعَ
مختلفةٍ وبدا شبهَ عارٍ بينما أثرُ أصابع الرَّجُلِ على خَدِّ المرأةِ - إِثْرَ عِدَّةِ صفعاتٍ على وجهِهَا - بدا أكثر احمراراً.. !
ولجتُ المصعدَ ، ضغطتُ مسرعاً على الأزرارِ المضيئةِ التي تشير للطَّابق قبل الأخير غير معطٍ الفرصةَ لأحدٍ ليصعدَ معي وبينما كان طرفَا البابِ يقتربانِ من بعضهما كانت الدماءُ قد انبثقت بعنفٍ ، وسالت على الأرضية في مواجهتي ..!
غطَّتْ الدماءُ مساحةً لا بأسَ بها من البلاطات الزجاجيَّة بينما علا صوتُ المتواجدينَ ملتاعينَ ، مستنجدينَ، مهرولينَ ، فزعينَ ، وصارخينَ . ازداد اقتراب ضلفتي الباب ،وانضمتا إلى بعضهما حتى التحمتا بقوةٍ لا تنفصمُ . كنتُ غارقاً في الظَّلام والمِصعدُ يقلُّني للأعلى طابقاً تلو طابقٍ بينما أحاولُ جاهداً السيطرة على الابتسامة التي تعلو وجهي متحولة لضحكاتٍ عاليةٍ وأنا أتنهدُ مستعرضاً سُوءَ التفاهم الذي وقع بين الرَّجُلِ والمرأة والذي كان سببه خطاباً من مجهولٍ أرسله أحدُهم إلى "المرأة" يوضح فيه بالأدلة حقيقةَ ما فعله "الرَّجُلُ"معها فكان سبباً في تهشمِ بيت "الزُّجَاجِ" الذي كانت تقبع فيه هادئةً مطمئنةً لا ترى عبر نوافذِهِ المغبشة غير غفلتها .
د. وفاء الحكيم
عضو النقابة العامة لاتحاد كتاب مصر
مختلفةٍ وبدا شبهَ عارٍ بينما أثرُ أصابع الرَّجُلِ على خَدِّ المرأةِ - إِثْرَ عِدَّةِ صفعاتٍ على وجهِهَا - بدا أكثر احمراراً.. !
ولجتُ المصعدَ ، ضغطتُ مسرعاً على الأزرارِ المضيئةِ التي تشير للطَّابق قبل الأخير غير معطٍ الفرصةَ لأحدٍ ليصعدَ معي وبينما كان طرفَا البابِ يقتربانِ من بعضهما كانت الدماءُ قد انبثقت بعنفٍ ، وسالت على الأرضية في مواجهتي ..!
غطَّتْ الدماءُ مساحةً لا بأسَ بها من البلاطات الزجاجيَّة بينما علا صوتُ المتواجدينَ ملتاعينَ ، مستنجدينَ، مهرولينَ ، فزعينَ ، وصارخينَ . ازداد اقتراب ضلفتي الباب ،وانضمتا إلى بعضهما حتى التحمتا بقوةٍ لا تنفصمُ . كنتُ غارقاً في الظَّلام والمِصعدُ يقلُّني للأعلى طابقاً تلو طابقٍ بينما أحاولُ جاهداً السيطرة على الابتسامة التي تعلو وجهي متحولة لضحكاتٍ عاليةٍ وأنا أتنهدُ مستعرضاً سُوءَ التفاهم الذي وقع بين الرَّجُلِ والمرأة والذي كان سببه خطاباً من مجهولٍ أرسله أحدُهم إلى "المرأة" يوضح فيه بالأدلة حقيقةَ ما فعله "الرَّجُلُ"معها فكان سبباً في تهشمِ بيت "الزُّجَاجِ" الذي كانت تقبع فيه هادئةً مطمئنةً لا ترى عبر نوافذِهِ المغبشة غير غفلتها .
د. وفاء الحكيم
عضو النقابة العامة لاتحاد كتاب مصر