محمد مزيد - خبر كاذب.. قصة قصيرة

كنا نجلس ، تحت شجرة كبيرة على شارع أبو نؤاس ، صامتان ، في وقت قررنا فيها مكاشفة بعضنا البعض . قالت " أنت ستبقى لا تفهمني " تشاغلتُ بطيور تلتقط طعامها على جرف النهر .. فكرتُ ، ملخص المشكلة بيننا ، شاهدتها قبل يومين تضحك بإنطلاق مع زميل في مكان عملنا ، فوبختها وتركتها . أصرّت اليوم أن نلتقي لوضع النقاط على الحروف . بصوت غاضب ، قلت " هل كان يتقرب إليك " ضحكت بافتعال ، ثم صمتت ، كنت أسمع لهاثها ، قالت " معقولة أنت تفكر هكذا ؟ " .. طارت الطيور حين رميت حصاة . بعد صمت آخر طويل ، قالت بصوت حزين " إي أمرأة في الثلاثين لا تمنع من يتقرب إليها إذا كانت نواياه صادقة " .. أستعّر الغضب في داخلي ، وجدتُ كلامها ينطق عن هوى وخفة ، قلت بغضب " لننهي الموضوع الان " . نهضتًُ وتركتها جالسة في مكانها . صاحت في اللحظة التي درت ظهري لها " لا تأتي إليّ بعد الآن تتوسل " ..
بعد أيام من الزعل والغضب بيننا ، تم أستدعاء مواليدي الى الحرب ، ألتحقت بمعسكرات التدريب . نقلتُ الى جبهة البصرة على قاطع الفيلق الثالث جندي مشاة . بعد مضي ثلاثة أشهر ، سمعت أن الزميل إياه خطبها .، وإنهما سيتزوجان عما قريب . أمضيت الشهور الثلاثة لم أزر مكان عملي بعد سماعي ذلك الخبر . بعد هذه المدة ، عزمت على الذهاب الى مكان العمل بقلب محطم لاستلام رواتبي الثلاثة ، حدثت نفسي " إذا وجدتها بالمصادفة سأقول لها مبارك " .
ذهبتُ صباحا ، أستقبلني موظف الإستعلامات بحرارة ، ألتقيت في غرفته بزملاء آخرين بينهم عاشق حبيبتي . تركتهم . ذهبتُ الى القسم الذي كنت أعمل فيه . أمضيت نصف النهار مع زملائي في الممازحات والملاطفات بالرغم من الوجع في قلبي . أستلمتُ رواتبي لثلاثة أشهر . أتجهت الى كافتيريا الجريدة لتناول الغداء ، في داخلي شوق عارم لرؤيتها . أنهيت الغداء مع الصحب . في غمرة المشاكسات والكلام الكثير عن ظروف الحرب والطرائف والفواجع التي حصلت فيها ، جمدت عيناي وأنا أنظر الى باب الكافتيريا ، دخلت بابتسامتها التي أحبها ، شعرها الحني بخصلته على الحاجب الايمن ترقص مع مشيتها الراقصة الضاحكة . تسارعت خفقات قلبي . في تلك الإثناء ، نهض الزملاء الذين كانوا يحيطونني ، غادروا الكافتيريا حين شاهدوها تقترب مني . ولما أردت النهوض للحاق بهم ، قالت " وين رايح " ؟ ، أبتسمتُ لها أبتسامة صفراء " سمعت بخطوبتك .. مبارك " ضحكت بانطلاق !! " أية خطوبة يا مجنون ؟ جلست أمامي ، "هل صدقت الأقاويل ؟ " تأكدت إنها فعلا لم تخطب وأن أحدهم بث خبراً كاذباً كي يصل الى سمعي . بعدها نسيت الحرب والخطب العجفاء . ضحكنا ، مرحنا ، عدنا الى جنوننا ، قلت لها " بعد الآن لن ألتحق بالحرب ، سأبقى هاربا حتى تنتهي مادمتِ أنت بقربي " !


محمد مزيد

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى