قالت لي : " لا تستطيع إي أمرأة أن تحتويك " ، راقبت خصلة من شعرها الحني على جانب عينها اليمنى . ومن دون أن تنتظر رّداً مني أكملت " هل تعرف لماذا ؟ " .سأقول لك. " لأنك مجنون " !! .. ثم ضحكت تلك الضحكة ، كان دائما ثمة " تلك الضحكة " . نفترق في المساء ، بعد أن ذوبنا لوعاتنا وخوفنا من " المارة الدبقين " الذين تلاحقنا نظراتهم كما يفعل عسس الليل ، يراقبون الناس اذا ما أكتشفوا إنهم يتحدثون " خارج النص " . آوي الى فراشي محاولا إزاحة صور اشخاص التقيت بهم في النهار ، وأبقيها شاخصة ، هي وحدها الصافية كالماء العذب ، تنبثق لي من اعماق روحي ، تطاردني بنظراتها الحنونة . قالت لي ذات يوم " لم لا تطلعني على عالمك السري التي ( خبصتني ) به " وقتها كنت أقلب في صفحات رواية " الساعة الخامسة والعشرون " ، توقفت عن تقليب الرواية ونظرت الى عينيها العسليتين ، ماذا تقولين ؟ أعيدي عبارتك . كنت أعلم إنها لن تكررها ، فانشغلت هي بترديد مقطع من أغاني فيروز " راجعين يا هوا ، على نار الهوا ، راجعين " .. فقلت مستفهما " انا خبصتك ؟ " .. كانت ما تزال تردد المقطع نفسه وهي تراقب مويجات دجلة في خريف ذلك النهار ، قلت لها حتى لو افترضنا صرت مجنونا مثلك ثم قررت أن نذهب الى هناك ، الى الاهوار ، ماذا سأقول لاعمامي وابناءهم عن صفتك ( الرسمية ) ، او الجانب الشرعي من علاقتنا ( اللاشرعية ) ؟ .
كنت اراقب تلك العينين فيما تتطاير في الفضاء " تلك الضحكة" .. فاكملتُ " سيسخرون مني اذا وصفتك امامهم بانك حبيبتي ! كتمت انفعالاتها المتفجرة وعفويتها المقلقة ، قالت بصوت صاف رقراق : أخبرهم بأني زوجتك ! ثم راقبتني من خلف تلك الخصلة المتدلية على عينها وهي تحني رأسها الى الارض " هل تستثقل علي صفة " الزوجة " وانت ما انت بالنسبة لي " ! حاصرتني من كل الجهات ، تلفت كالعصفور المذعور الى اليمين واليسار ، ثم باغتها بقبلة سريعة من خدها الايسر ، فشهقت ضاحكة ، ومازحة " يا عيبة العيبة .. تبوس بنات الناس كدام الناس " .. قلت لها بعد فاصل من الضحك " لقد جرفوا غابات القصب والبردي وعملوا على تجفيف كل الاهوار بانشاء " النهر الثالث " ، هدفهم القضاء على المعارضين من أبناء الجنوب . قالت مازحة " لم لا تكون معهم ، الا يستحق بلدك أن تكون ضمن الشرفاء الذين يريدون حياة كريمة بدلا عن هؤلاء الاوباش وقد تمكنوا من رقابنا وحكمونا بالحديد والنار " قلت أش " الا تخافين من إي عابر سبيل قد يبلّغ عنا ان سمع كلاما محظورا فنضيع في الدهاليز الى الابد .. مضت فترة صمت بيننا ، ثم عادت تغني مقطعا لفيروز " الله يا هوانا يا مفارقنا .. حكم الهوا يا هوانا واتفارقنا " .. كان مقطعا حزينا كأنها تتنبأ بما سيحصل لنا . لا أتذكر ما الذي قلته لها حينذاك . فاغتمت وحزنت وصمتت صمتها الحديدي.
ثم ذهب كل واحد منا الى بيته ، وثمة خوف اعتصر قلبي من نبوءة " الله معك يا هوانا " .. تأخذني الساعة الخامسة والعشرون إليها من تلابيبي ، نسيت الطعام والشراب والحاجات الاخرى ، هل من المعقول إنني الهث مع الاحداث بهذا الشكل الجنوني ، حتى وجدتني أنتهي منها من دون نوم ولا طعام . أرخى الليل سدوله ونمت ، ولما أفقت في منتصفه ، وجدتني وحيدا ، تمنيت أن يطوي الليل ستاره بسرعة كي اصافح النهار لاذهب أليها ، أشتعل الشوق والخوف والقلق ، ثم جاء الصباح وذهبت الى دائرتها ، فلم أجدها ، أخبرتني صديقتها بانها لم تأت ، أنتظرت العصر لألتقي بها في معهد الوثائقيين الذي ندرس فيه ، كذلك لم تأت ، ذهبت الى منطقتهم ودرت حول بيتهم . كان الباب مغلقا ، ها انذا عدت لسذاجتي ، وشرودي ، غير إنها بعد يومين بزغت مثل الشمس ، رأيتها مع زميلة في اروقة المعهد صامتة تنظر الى الارض ، فتواريت عنها خلف الاشجار ، وانا اتقرب منها ، كي أفاجئها ، وفعلا ما أن رأتني ، حتى كادت تسقط الى الارض لولا انها توكأت على ساعد صديقتها .. وقالت لي بحزن وهي تبكي "أنت اهواري " .. غير أن الاهوار جفت ، وذهب كل ذلك الحب الى النسيان .
محمد مزيد
كنت اراقب تلك العينين فيما تتطاير في الفضاء " تلك الضحكة" .. فاكملتُ " سيسخرون مني اذا وصفتك امامهم بانك حبيبتي ! كتمت انفعالاتها المتفجرة وعفويتها المقلقة ، قالت بصوت صاف رقراق : أخبرهم بأني زوجتك ! ثم راقبتني من خلف تلك الخصلة المتدلية على عينها وهي تحني رأسها الى الارض " هل تستثقل علي صفة " الزوجة " وانت ما انت بالنسبة لي " ! حاصرتني من كل الجهات ، تلفت كالعصفور المذعور الى اليمين واليسار ، ثم باغتها بقبلة سريعة من خدها الايسر ، فشهقت ضاحكة ، ومازحة " يا عيبة العيبة .. تبوس بنات الناس كدام الناس " .. قلت لها بعد فاصل من الضحك " لقد جرفوا غابات القصب والبردي وعملوا على تجفيف كل الاهوار بانشاء " النهر الثالث " ، هدفهم القضاء على المعارضين من أبناء الجنوب . قالت مازحة " لم لا تكون معهم ، الا يستحق بلدك أن تكون ضمن الشرفاء الذين يريدون حياة كريمة بدلا عن هؤلاء الاوباش وقد تمكنوا من رقابنا وحكمونا بالحديد والنار " قلت أش " الا تخافين من إي عابر سبيل قد يبلّغ عنا ان سمع كلاما محظورا فنضيع في الدهاليز الى الابد .. مضت فترة صمت بيننا ، ثم عادت تغني مقطعا لفيروز " الله يا هوانا يا مفارقنا .. حكم الهوا يا هوانا واتفارقنا " .. كان مقطعا حزينا كأنها تتنبأ بما سيحصل لنا . لا أتذكر ما الذي قلته لها حينذاك . فاغتمت وحزنت وصمتت صمتها الحديدي.
ثم ذهب كل واحد منا الى بيته ، وثمة خوف اعتصر قلبي من نبوءة " الله معك يا هوانا " .. تأخذني الساعة الخامسة والعشرون إليها من تلابيبي ، نسيت الطعام والشراب والحاجات الاخرى ، هل من المعقول إنني الهث مع الاحداث بهذا الشكل الجنوني ، حتى وجدتني أنتهي منها من دون نوم ولا طعام . أرخى الليل سدوله ونمت ، ولما أفقت في منتصفه ، وجدتني وحيدا ، تمنيت أن يطوي الليل ستاره بسرعة كي اصافح النهار لاذهب أليها ، أشتعل الشوق والخوف والقلق ، ثم جاء الصباح وذهبت الى دائرتها ، فلم أجدها ، أخبرتني صديقتها بانها لم تأت ، أنتظرت العصر لألتقي بها في معهد الوثائقيين الذي ندرس فيه ، كذلك لم تأت ، ذهبت الى منطقتهم ودرت حول بيتهم . كان الباب مغلقا ، ها انذا عدت لسذاجتي ، وشرودي ، غير إنها بعد يومين بزغت مثل الشمس ، رأيتها مع زميلة في اروقة المعهد صامتة تنظر الى الارض ، فتواريت عنها خلف الاشجار ، وانا اتقرب منها ، كي أفاجئها ، وفعلا ما أن رأتني ، حتى كادت تسقط الى الارض لولا انها توكأت على ساعد صديقتها .. وقالت لي بحزن وهي تبكي "أنت اهواري " .. غير أن الاهوار جفت ، وذهب كل ذلك الحب الى النسيان .
محمد مزيد