محمد مزيد - البحر .. قصة قصيرة

لمحتُ يد الشقراء عن بعدٍ وهي تلوح لزوجها الجالس بجانبي ، كانت تنشف شعرها بحركات يديها، بعد خروجها من البحر . أحزنني استلقاء الرجل ولا أباليته أزاء دعوات زوجته المستميتة لينهض من كسله . سبب حزني أن زوجته شابة جميلة ، توقعت إنها تريد أفهام آخرين يبحلقون بجسدها ، كأنها تحاول ردعهم بالكف عن ملاحقتها مادام لديها رجل يجلس على كرسي هناك وسط الرمال . لا أعرف كيف تحول أهتمامي من بين كل نساء البحر العاريات الى هذه الفاتنة. يبدو عمر زوجها بالأربعين وتبدو هي في الثلاثين . فكرت قد لا يكونا على وفاق تام ، بدليل نزولها الى البحر بالبكيني لوحدها ، وإنه قد لا يعرف السباحة ، ففضل البقاء جالسا بجانبي ، مانعا أحراج نفسه أمام سباحين أفذاذ يخبطون في المياه الزرقاء كالدلافين . مازالت تلوّح له من بعيد واقفة وهو غير مبال . أي رجل سفيه هذا الذي تطلبه زوجته الأقتراب منها فيرفض ؟ كان يتصفح مجلة ملونة وينظر بين الحين والآخر الى جهة اليمين بحثا عن شيء ما ، ويسترق النظر الى زوجته التي أعياها جهدها في أن يلبي دعوتها . أثار أنتباهي رجل آخر ، كان يجلس على مبعدة أمتار يتابع زوجة صاحبي الكسول . قلت في نفسي " لعل العقدة هنا " .. لا أعرف إية مشاعر أنتابتني وأنا أنظر الى الرجل الآخر يبحلق الى المرأة ذات البكيني الأزرق . ولما فقدت المرأة الأمل في نهوض زوجها ، أدارت ظهرها لنا ووجهها الى البحر ، أتجهت تمشي الى أمواجه الهادره . نهض الرجل الآخر يسير متثاقلا صوب البحر . كان الزوج الجالس بجانبي مستغرقا في القراءة . غطست الفاتنة في البحر ولم أر سوى شعرها الأشقر يطفو فوق المياه . مازال صاحبي يقرأ وهو غير مهتم لما يجري في البحر . أخذ الرجل الآخر يسير ببطء حتى وصل الى حافة البحر ثم غطست قدماه شيئا فشيئا في المياه ، بعدها بدأ يلبط سابحا باتجاه المرأة زوجة الكسول . من الواضح أن رأس الرجل كان يتجه الى المكان الذي توقفت فيه الشقراء ، ولما تقابل الرأسان ، لاحظت أستغراق صاحبي بقراءة المجلة ، مرت دقائق وبدأ يتثاءب فوضع رأسه على مسند الكرسي وغطى وجهه بالمجلة .
في البحر أقترب رأس الرجل من شعر الشقراء ، لا أدري هل تحدث معها ، سرعان ما أنزلقا سوية تحت سطح المياه ، أختفيا عن ناظري تماما ، بعد برهة طفح رأس الشقراء ، وبعد ثوان قليلة طفح رأس الرجل الآخر .. ثم ابتعدا يسبحان باتجاه براميل كانت موضوعة على بعد أمتار لمنع السباحين من عبور هذا الحاجز . وهناك خلف البراميل أختفيا ثانية. يغط زوجها بالنوم والمجلة على وجهه . لم أر ما يجري خلف البراميل . بعد مدة من الزمن عادت المرأة ذات الشعر الأشقر الى الشاطئ لاحظت أجهادا وتعبا باديا على مشيتها ، وفيما اختفى الرجل الآخر عن ناظري ، بقيت أتابع المرأة وهي تترنح في مشيتها ، ولما وصلت ألينا كشفت أبتسامتها عن سعادة زائفة كانت تحاول أظهارها وهي تقف عند قدمي زوجها ، ضربته بقدمها اليمنى الحافية " هل نمت عزيزي ؟ " .. أزاح المجلة عن وجهه ، ثم نهض مبتسما ، مسكته من ذراعه وأتجها صوب بوابة الفندق الذي يقع خلفنا . كان الرجل يبدو سعيدا وهو يضع ذراعه حول خصر زوجته . دخلا الفندق وأختفيا عن أنظاري ، فيما عاد الرجل الآخر الى مكانه يراقب النساء.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى