المقاهي منقول - الشاي في الموروث البغدادي القديم

من العادات المنتشرة بالمجتمع البغدادي بشكل واضح هي عادة شرب الشاي ، فيقال (الچاي) بالجيم الفارسية بدلاً من الشين (الشاي)، حيث اعتاد أهل العراق على شرب الشاي ، وقد جاءت هذه عادة مع الاحتلال البريطاني للعراق منذ قبيل الحرب العالمية الأولي 1914 - 1918 حتى أصبح للشاي قيمة اجتماعية في حياتنا اليومية، تقاس بها درجة تقدير الزائر.
حتي أن أي ضيف يزورنا في البيت أو في محل العمل أو حتي في الدائرة الرسمية ولا نقدم له استكانة شاي يعد ذلك نقصاً في الحفاوة والترحيب وعدم التكريم !!؟
وتأًصلت عادة شرب الشاي لدي العراقيين منذ الاحتلال البريطاني، حيث عرف عن الهنود تناولهم المفرط للشاي وهم يزرعون شجيرته وينتجونه، وأخذ العراقيون عنهم تلك العادة (اللذيذة) و (الممتعة).. فجلسات السمر لا تحلو إلا بالشاي، والعوائل العراقية غالباً ما تتحلق حول صينية الشاي أو (السماور) حيث تدور أقداح الشاي ودوارق الماء المغلي، ناهيك عن (السماور) المنتصب أحياناً وسط (اللمة) .
وبين حين وآخر تدور قارورة السكر ليأخذ كل حاجته منه , وقارورة السكر هي عبارة عن (شكردان) أنيق من الزجاج الملون والمنقوش وهو إناء أو (كاسة) تحوي عمود زجاجي يتصل بقاعدة زجاجية أيضاً، قبل دخول (الستيل) حياتنا الاجتماعية حيث أخذت تصنع منه عدة ولوازم الشاي من قوري وكتلي وسماور وصينية وشكردان.
وعندما جاء الهنود مع الاحتلال الأول، كانوا يطلقون علي قدح الشاي أسم (بيالة) وهي تسمية (هندية - آرية) بمعني (قدح) أو (كوب) ولا زالت مناطق شمال العراق تسمي استكان الشاي (بيالة). أما كلمة (استكان) فأصلها إنكليزي، وقد جاء الجنود الإنكليز بهذه اللفظة معهم إلي العراق، ولأن كل ما يتعلق بالشاي كان من الأمور الجديدة الدخيلة علي حياتنا الاجتماعية فقد أخذ العراقيون لفظة (استكان) مدغمة متصلة للسهولة والدلالة .
ومازال الكثير من العراقيين لا يتذوق شرب الشاي إلا بـ(الاستكان) رغم أن البعض يشربه بالكوب والآخر يتناوله (بالكلاص) بينما رأينا الكثير من المصريين في العراق يتناولون الشاي بقناني معجون الطماطة الزجاجية الفارغة.وهناك عدة طرق لإعداد الشاي ومنها غلي الماء الخاص به، وأفضلها دائماً إعداد الشاي علي (نار الفحم) بدلاً من الكاز أو الغاز أو الكهربـــــاء , وعملية إعداد الشاي نسميها (تخدير الشاي) أي غليه وطبخه حتي ينضج وتفوح رائحته ومن هنا جاءت أغنية (خدري الجاي خدري) وشاي الفحم يدل علي الأصالة والذوق وهو مفضل مثل خبز التنور.
ولا يستسيغ أهلنا في العراق تناول الشاي المعلب بعبوات صغيرة (شاي أبو الخيط) بينما يفضلون شاي سيلان الخشن ذا الرائحة الزكية. ويمكن اضافة عدة مواد عطرية للشاي ليصبح (شايا معطرا) منها (الهيل) و ورق زهر العطر ,
وقد يقدم الشاي بطريقة (الدشلمة) أو بطريقـــة (الشكرلمة). و تتلخص في أن يقدم الشاي بدون سكر مذاب، حيث يقدم (استكان) الشاي المر علي (طبق) بدون ملعقة بينما يقدم معه (الشكردان) الذي يحتوي علي قطع من السكر المكعبات أو من قطع (شكر الكله) أي ذلك القالب المخروطي من السكر الأبيض الصلب ، ثم يكسر الي قطع صغيرة توضع في (الشكردان) فيعمد الشارب إلي تناول قطعة سكر يضعها تحت لسانه ويبقي لفترة طويلة يرشف رشفة من الشاي المر بينما هو يمص ببطئ قطعة السكر تحت لسانه. وهذه الطريقة مازالت قائمة في بعض مدن وقري شمال العراق.
وعملية تكسير قالب (الشكرلمة) تقوم بها ربة البيت بعناية ودقة حيث يجب أن تكون القطع منتظمة غير مفتتة لتصلح تحت اللسان، وهذه العملية متممة لطقوس الشاي وأدواتها فأس صغير وسندان مثله، الفأس تكون قبضته عادة من خشب عادي أو منقوش يدل علي مستوي العائلة، ويسمي (دقاقة) وتستخدم العوائل الفقيرة فؤوساً عادية.
و تغزل البعض بهذه العادة المتأصلة بالمجتمع بأغنية غنتها فرقة الإنشاد العراقي عام 1951 (خدري الجاي خدري) والحقيقة أن هـــذه (ألبسته) العراقية أقدم من فرقة الإنشاد حيث غنتها في الثلاثينات مطربة قديمة قد تكون زكية جورج، وكان هناك أغنية أخرى شاعت وذاعت أثناء الحرب العالمية الثانية 1939 - 1945 حين عز الشاي وفقد من الأسواق وأنقطع استيراده بسب ظروف الحرب، وفي تلك الأيام العصيبة غني المطرب الريفي حضيري أبو عزيز أغنية تقول كلماتها :
دمضي العريضة
أمضي العريضة
عيني يا أبو التموين
أمضي العريضة
الحلوة علي الجاي
طاحت مريضة .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى