في ليلةٍ سوداءَ كسواد جَهنَّم؛ تَرجع إليه ابنته العَروس تحت جُنْح الذُّلِّ فَجر ليلة زفافها.
يَسقط أرضًا جالسًا القرفصاء، يُنكِّسُ رأسه بين كفَّيه، تدور به غرفته الكائنة في بئر السلم، تتسارَع في رأسه صورة الليلة الفائتة، الرَّقص والغناءُ والتحطيب، جارات وصديقات هنادي وهُنَّ يَتحلقن حولها يشاركنها سعادتها كظنِّهن، تُحدثه نفسه: قَطعًا إنه الشرف.
تفيقُ الأمُّ من صَدْمَتها، تُهرَع إلى هنادي، تسألها فلا تَسمع إجابة، تهزُّها هزًّا يُزلزل جَسدها؛ فتُحملق فيها ولا ترُدْ، تَصفعُها صَفعاتٍ مُتلاحقةً لتنطق، تُسَّلمُها خدَّيها ولا تُقاوم.
يَطرَق البابَ واحدٌ من البَّوابين بلديات والدها، كان العريس قد استدعاه ليُنهي إليه نبأ الكارثة؛ قبل أن يَمَسَسْها صارَحَتهُ بأمرها، حمَلت سفاحًا وفي شهرها الثاني.
لم يرفع عيناه في الرَّاوي، ظلَّ مُحملقًا في الأرض دون أنْ يرمِش. أنهَي الرَّاوي حديثه؛ وأتبعَهُ بسؤال: ماذا ستقول لأهلنا في قِبْلي؟
يعتدل، يرفع يُسراه ورأسه لم يزل مُنكَّسًا، يقول في حَسْم:
- جئتَ بما كُلِّفتَ به، فلا شأن لكَ بما عداه.
يَسري النبأ بين بني جِلدته سَريان النار في الهشيم، كأنهم لم يُغادروا أقاصي الصعيد إلى الإسكندرية منذ خمس وعشرين سنة.
الألسنةُ تَلوك القصَّة. الأعيُن تَفترسُه في رواحه وغدُوه هو وابنه، نِسوةُ البوابين يأتين كأنَّهنَّ في عَزاء، ونظراتهن تُقطِّع في لحمهم.
يدعُ الأب أمّها لقضاء طلبات السُّكان ويَلزم حُجرته، تُسدِلُ الأم غِطاء رأسها الأسود الشفاف على وجهها ذاهبة وعائدة، يَلزم الابنُ الغرفة هو الآخر؛ حتى فُصل من عمله، حذَّره والده قبلها فلم يستجب، قال: كيف أُواجِه الناسَ يا أبي، لنتطهر أولاً من عارنا؟!
يُجيبه: بمرارة: صَعبٌ يا ولدي، يصيحُ الابن غاضبًا: عار، طَهّرنا منه يا أبي..
لم يَفق الأب من مُصيبته لتقع على رأسه غيرها، إعلانٌ بتطليق ابنته المتزوجة، لم يَنفعل، فهو أمرٌ طبيعي بعد عار أختها.
المُطلَّقة تُعنِّف هنادي: أنتِ السبب، أنتِ السبب. تَخرُج هنادي عن صَمتها: ليس كذلك، إنه...، تَهزُّها بعُنف: إنه ماذا، تَكلمي؟ تُفجِّر هنادي كارثة: زوجُكِ هو الذي ...، تقولها وتَفرُّ من أمامها، تُزلزلُ الغرفة صَيحة الأب: يا الله!
يُهرَع إلى المسجد يلوذُ به، يقترب منه أحدُهم، يَهمِسُ في أذنه: ماذا سَتفعل؟ يَهمسُ بها ثانٍ؛ وثالث؛ ورابع؛ يَهجر المسجد عائدًا.
الصَمتٌ يُطبق على الحجرة، يقوم ليفتح تلفازه قديم الطراز، الفيلم المعروض (شفيقة ومتولي)، مَوَّال يَتردَّد: "صعيدي عنده الشَرف غالي.. وعاش بشرفه الجرجاوي".
تُرتسمُ أمام ناظريه صورة المعلم عتريس وهو يُلاحق ابنته وقد خرجت من الدار والنار تُمسِكُ بتلابيبها، وعلم وقتها هو وأترابه من الصِبية أنه يغسل عاره.
اتَّسَعتْ عيناه وهو يُتابع التلفاز، تحدثه نفسه: ولمَ لا؟ ألستُ رجلاً كالمعلم عتريس؟!
على غير موعد يعود الابن إلى المسكن، يُتابع أحداث الفيلم، يرمَق والده بطرف عينه، يُدرك الوالد مَعنى النظرة، يُغلق التلفاز ويهم خارجًا.
يسيرُ بلا هُدَىً في الشارع، كلمات الموَّال تطنُّ في أذنيه، يعود إلى الحجرة مُتحفزًا، يَستلُّ سكينًا كبيرًا من أدوات المطبخ، يَلكز ابنه: قُم مَعي، يَتبعهُ الابنُ مُتهللاً.
يَسقط أرضًا جالسًا القرفصاء، يُنكِّسُ رأسه بين كفَّيه، تدور به غرفته الكائنة في بئر السلم، تتسارَع في رأسه صورة الليلة الفائتة، الرَّقص والغناءُ والتحطيب، جارات وصديقات هنادي وهُنَّ يَتحلقن حولها يشاركنها سعادتها كظنِّهن، تُحدثه نفسه: قَطعًا إنه الشرف.
تفيقُ الأمُّ من صَدْمَتها، تُهرَع إلى هنادي، تسألها فلا تَسمع إجابة، تهزُّها هزًّا يُزلزل جَسدها؛ فتُحملق فيها ولا ترُدْ، تَصفعُها صَفعاتٍ مُتلاحقةً لتنطق، تُسَّلمُها خدَّيها ولا تُقاوم.
يَطرَق البابَ واحدٌ من البَّوابين بلديات والدها، كان العريس قد استدعاه ليُنهي إليه نبأ الكارثة؛ قبل أن يَمَسَسْها صارَحَتهُ بأمرها، حمَلت سفاحًا وفي شهرها الثاني.
لم يرفع عيناه في الرَّاوي، ظلَّ مُحملقًا في الأرض دون أنْ يرمِش. أنهَي الرَّاوي حديثه؛ وأتبعَهُ بسؤال: ماذا ستقول لأهلنا في قِبْلي؟
يعتدل، يرفع يُسراه ورأسه لم يزل مُنكَّسًا، يقول في حَسْم:
- جئتَ بما كُلِّفتَ به، فلا شأن لكَ بما عداه.
يَسري النبأ بين بني جِلدته سَريان النار في الهشيم، كأنهم لم يُغادروا أقاصي الصعيد إلى الإسكندرية منذ خمس وعشرين سنة.
الألسنةُ تَلوك القصَّة. الأعيُن تَفترسُه في رواحه وغدُوه هو وابنه، نِسوةُ البوابين يأتين كأنَّهنَّ في عَزاء، ونظراتهن تُقطِّع في لحمهم.
يدعُ الأب أمّها لقضاء طلبات السُّكان ويَلزم حُجرته، تُسدِلُ الأم غِطاء رأسها الأسود الشفاف على وجهها ذاهبة وعائدة، يَلزم الابنُ الغرفة هو الآخر؛ حتى فُصل من عمله، حذَّره والده قبلها فلم يستجب، قال: كيف أُواجِه الناسَ يا أبي، لنتطهر أولاً من عارنا؟!
يُجيبه: بمرارة: صَعبٌ يا ولدي، يصيحُ الابن غاضبًا: عار، طَهّرنا منه يا أبي..
لم يَفق الأب من مُصيبته لتقع على رأسه غيرها، إعلانٌ بتطليق ابنته المتزوجة، لم يَنفعل، فهو أمرٌ طبيعي بعد عار أختها.
المُطلَّقة تُعنِّف هنادي: أنتِ السبب، أنتِ السبب. تَخرُج هنادي عن صَمتها: ليس كذلك، إنه...، تَهزُّها بعُنف: إنه ماذا، تَكلمي؟ تُفجِّر هنادي كارثة: زوجُكِ هو الذي ...، تقولها وتَفرُّ من أمامها، تُزلزلُ الغرفة صَيحة الأب: يا الله!
يُهرَع إلى المسجد يلوذُ به، يقترب منه أحدُهم، يَهمِسُ في أذنه: ماذا سَتفعل؟ يَهمسُ بها ثانٍ؛ وثالث؛ ورابع؛ يَهجر المسجد عائدًا.
الصَمتٌ يُطبق على الحجرة، يقوم ليفتح تلفازه قديم الطراز، الفيلم المعروض (شفيقة ومتولي)، مَوَّال يَتردَّد: "صعيدي عنده الشَرف غالي.. وعاش بشرفه الجرجاوي".
تُرتسمُ أمام ناظريه صورة المعلم عتريس وهو يُلاحق ابنته وقد خرجت من الدار والنار تُمسِكُ بتلابيبها، وعلم وقتها هو وأترابه من الصِبية أنه يغسل عاره.
اتَّسَعتْ عيناه وهو يُتابع التلفاز، تحدثه نفسه: ولمَ لا؟ ألستُ رجلاً كالمعلم عتريس؟!
على غير موعد يعود الابن إلى المسكن، يُتابع أحداث الفيلم، يرمَق والده بطرف عينه، يُدرك الوالد مَعنى النظرة، يُغلق التلفاز ويهم خارجًا.
يسيرُ بلا هُدَىً في الشارع، كلمات الموَّال تطنُّ في أذنيه، يعود إلى الحجرة مُتحفزًا، يَستلُّ سكينًا كبيرًا من أدوات المطبخ، يَلكز ابنه: قُم مَعي، يَتبعهُ الابنُ مُتهللاً.