"لقد انتصر الغيب، وسقطنا كعبيد في مملكة الشيطان الكبرى، نحن نُجلد صباح مساء ونُمنع من النوم. نسير في طوابير هائلة العدد، مليارات، نسير مقيدين إلى بعضنا البعض بجنازير لا يمكننا رؤيتها. والشياطين تلهبنا بجلد لا نرى سياطه. نتلقى الجلد العنيف ولا نعرف كيف نهرب من ضربات لا نراها ولا نرى من يحمل السوط الذي نضرب به. إنتصرت مملكة الشيطان الكبرى، على البشرية.. وتستعبدنا، لأداء مهمة واحدة، وهي نبش القبور، كل القبور الجديدة والقديمة لنستخرج العظام، ثم نكومها في أكوام ضخمة كناطحات السحاب، لكنها لا تلبث أن تختفي. وإن لم نجد قبوراً فعلينا أن نسلخ الموتي الجدد ونستخرج عظامهم لنكومها أيضا. تفضل تلك الكائنات التي لا نراها عظام الموتى القديمة. وكلما كانت العظام اقدم كلما كانت معتقة بالنسبة لها. لا تحدثنا تلك الكائنات، نحن فقط نحصل على أوامرهم بالسياط التي تلهب أظهرنا وأكتافنا. انقسمت الأرض للجهات الأربع، الشرق فيه مجموعة من مليارات العبيد، والغرب كذلك ثم الجنوب، والشمال. مليارات تزحف ببؤس شديد، في طوابير العبودية نحو مناجم العظام البشرية. وحينما يسن الشياطين قوانين جديدة، فإن تلك القوانين تكتب على السماء بسديم السحب الأبيض. لقد أسقط في أيدينا، أذ لا نستطيع مقاومة ما لا نراه وما لا نعرف كنهه ولا طبيعته..بل ولا حتى نستطيع أن نُسر إلى بعضنا البعض بضرورة البحث عن مخلص. لم تسعفنا كل الأسلحة القديمة، لا البنادق ولا الصواريخ، فمملكة الشياطين محتشدة بأضعاف أعداد البشرية، وهم يربوننا كما كنا نربي الأبقار. يطعموننا أثناء السير، ويبثون في المنهكين منا طاقة العمل. ويحثونننا على التكاثر، لكي ننجب عبيدَ جدد، يتلقون الجلد صباح مساء.. ويعملون حتى الموت في نبش القبور وسلخ الجثث...ممنوعون تمام من حمل الساعات أو النظر فيها عندما توجد في الميادين العامة. لذلك نحن لا نعرف كم مضى علينا من الدهر. نمشي فقط ثم نسقط فقط ومن يموت منا يُسلخ وتلقى عظامه في الكومة العالية. وبما أننا لا نرى أسيادنا فقد إعتبرناهم شياطيناً، يعيشون في مملكة الشيطان الكبرى. أين هي؟ لا نعرف؟ ماذا يفعلون بتلك العظام؟ لا نعرف؟ ما هي أشكالهم؟ حقاً لا نعرف، هل هم خالدون؟ أيضاً لا نعرف؟ كيف يمكننا أذيتهم ومقاومتهم؟ لا..لا نعرف عنهم شيئاً... إن جل ما نعرفه هو صوت تلك السياط..ذلك الصوت الحاد، الذي يشق الهواء بسرعة ويختلط بلحوم ودماء أظهرنا وأكتافنا. فكيف سنقاوم مجرد الصوت..لذلك سأخبركم يا إخوتي العبيد بما أراه، أرى أننا لن نستطيع المقاومة إلا بسلاح واحد. وهو أن نقتل أنفسنا. نعم، إذا كانت حياتنا أبشع من موتنا، فلنمت إذاً، ولتكن خسارة مملكة الشيطان كبرى. فليحمل كل منكم سلاحاً، سكيناً أو فأساً أو حجراً أو أي شيء وليقتل به جاره. هل أنتم موافقون؟".
صاحت حشود البشر المليارية بالموافقة ووجوهم مغبرة بأتربة القبور، وبعرق التعب. وهكذا بدأت أكبر عملية إنقراض ذاتي في تاريخ الأرض. كانت الرؤوس تتطاير والدماء تزحف على تضاريس الأرض كالطوفان، والصرخات تغطي صوت السياط. وأسيادنا بدأوا في الشعور بالرعب. ازداد جلدهم لنا، ولكن من لا يأبه للموت، لن يأبه للسوط. رأيناهم يكتبون على السماء تحذيرات من إستمرار هذا التمرد. انقرض مليار بشري خلال ساعات فقط، لتبدأ الجولة المسائية، ورأينا الكتابة على السماء، تدعونا للتفاوض. لكننا لم نأبه. لقد عزمنا أمرنا. وهكذا انقرض مليار بشري آخر. وتوقفت الشياطين عن جلدنا داعية لهدنة. وفي الصباح استمرت المجزرة الثالثة، حيث انقرض مليار ثالث، وعندها، قرأنا إستسلام مملكة الشيطان، وإعلان خروجهم من الأرض تماماً. ثم إنمحت الكتابة من فوق السماء عندما هبط الليل. سقط ما تبقى من المليارات الخمسة على الأرض وهم ينتحبون بسعادة ممتزجة بالألم. وانقشع الظلام في الفجر. لقد انتصرنا، إنتصاراً بطعم الدم...بطعم الدم انتصرنا...بطعم الدم...
صاحت حشود البشر المليارية بالموافقة ووجوهم مغبرة بأتربة القبور، وبعرق التعب. وهكذا بدأت أكبر عملية إنقراض ذاتي في تاريخ الأرض. كانت الرؤوس تتطاير والدماء تزحف على تضاريس الأرض كالطوفان، والصرخات تغطي صوت السياط. وأسيادنا بدأوا في الشعور بالرعب. ازداد جلدهم لنا، ولكن من لا يأبه للموت، لن يأبه للسوط. رأيناهم يكتبون على السماء تحذيرات من إستمرار هذا التمرد. انقرض مليار بشري خلال ساعات فقط، لتبدأ الجولة المسائية، ورأينا الكتابة على السماء، تدعونا للتفاوض. لكننا لم نأبه. لقد عزمنا أمرنا. وهكذا انقرض مليار بشري آخر. وتوقفت الشياطين عن جلدنا داعية لهدنة. وفي الصباح استمرت المجزرة الثالثة، حيث انقرض مليار ثالث، وعندها، قرأنا إستسلام مملكة الشيطان، وإعلان خروجهم من الأرض تماماً. ثم إنمحت الكتابة من فوق السماء عندما هبط الليل. سقط ما تبقى من المليارات الخمسة على الأرض وهم ينتحبون بسعادة ممتزجة بالألم. وانقشع الظلام في الفجر. لقد انتصرنا، إنتصاراً بطعم الدم...بطعم الدم انتصرنا...بطعم الدم...