عامر الطيب - مثل دمعة نزلت.. شعر

مثل دمعةٍ نزلتُ
خفيفاً أو ثقيلاً لا أعرف الأخطار الآن.
مثل دمعةٍ زاد وزني
في النهر.
مثل دمعة أحرجتُ التحديق و السفن البعيدة
و الأيام .
مثل دمعةٍ بدأتُ أنمو
مثل دمعة أوشكت أن أشيخ
مثل دمعة ألّفتُ حياتي بنفسي
و مثل عينٍ تصفحتُها الآن !

ظلَ أبي يترقب ساعته
مع أنها عاطلة
لكنّ المسافرين
الذين لا يعرفون شيئاً عن المدن
التي يقصدونها لأول مرة
هم الذين اخترعوا الأميال !

لا أحب الناس لكني لا أتململ منهم
إنهم مثل أخوتي
ينبغي أن أموت قبلهم
بسرعة و شجاعة و عافية
لعلي لم أعد
صالحا للبكاء على أحد .
لا أحب الناس لكني لا أكرههم
لكني لا أطردهم
أن حياتي كافية
للمقالب حتى السيئة منها،
و بيتي يسع النسوة
البدينات
و الأشجار!

لا يحمل الموت مسدساً
ولا خنجراً
لكنه يعرف الزر
الصغير الذي يطفئ
البهجة في الجسد،
تذبل العينان و الفم
و الأقدام.
عموماً أن الموت
أكثرنا خبرة
بالتعامل مع الورد!

إحساسي ليس عالياً
مثل بناية من طابقين
أنه قوي
و منخفض
مثل الأرض،
أنه يلزمني
لأحبكم
و أنساكم
أنتم أيها المزيفون
الذين ينكرون وجهي في العتم،
أنتن أيتها النسوة الضليلات،
النجوم الخبيثة
التي تسطع عندما تجف الأنهار!

لا أبكي الآن،
لأننا غرباء جميعاً
فقدنا الشهية و السواء و اللطف،
فقدنا الغيرة على أجسادنا
مع حذرنا الخطير
على شفاهنا و أصابعنا
سكتنا طويلاً
و في الدقيقة التي نسكت بها
تماماً
تتأذى الكلمات!

لا تعجبني بثينة ولا ليلى
لم يكن حبهن ناصعاً
كحبي لكَ،
حبي المليء بالفرح
و الشغب و النوم،
نسيتُ أنك كنت موجوداً
هنا
لأحبك مع كل رجل
يغرسني بين ذراعيه
كنخلة ميتة في دفتر الرسم!

منعني الأطباء من البكاء على نفسي
لئلا تصير تلك عادة
أو نوبة تلازمني
فيتعذر على جلاسي معرفة
المصاب ،
لحظة ما أبكي على كتفيكِ
محاولا أن أتبين
مكاني الأثير من العالم!

مات أبي في اللحظة التي
ضج بها الآخرون
بالضحك
مات في اللحظة التي
كبرتُ بها و كبر ظلي و ألمي و هواي،
مات في اللحظة
التي بدأت تتغير بها ملامحه
مثل ملامح الأبطال المندهشين ،
في اللحظة التي صرنا فيها
بنفس القامة
و اللون و الطول ،
خبر مؤسف
أنه ليس ثمة تأريخ
لموته غير تلك اللفتة نفسها ،
مات أبي
في اللحظة الضيقة
التي لم يتمن بها الموت!

في المرة الأولى التي أحببتك
بها لم تكن حياتك مشوشة مثل دموع الأفلام ،
لم يكن حديثك سكوتاً
طويلاً كالمناجاة
لم يكن حرصك مؤذياً،
لم تكن غيرتك متبلدة مثل رائحة شواء،
لم تكن بلادك باطلة مثل الرماد.
المرة الاولى التي
عرفتك بها
لم تكن غرفتك نصف معتمة ،
لم يكن حبك مصاباً
بفوبيا الخطيئة و الطيران :
خائفا من أن يطير،
متبرماً من ألا يصبح طيراً !

كيف ستنتهي حياتي
الليلة كما ينتهي خبر طارئ في الصحيفة
عن رجلين يقذفان جسديهما
من القطار
كيف سأخلع نظاراتي
لأرى التجهم بوضوح :-
يمر القطار بطيئاً
مثل حياتي في البيت
لأنسى جسدي
يتدحرج في الشارع؟!

إذا استندتُ على طينة
تصلبتْ
إذا استندتُ على غيمة
مطرتْ
إذا استندتُ على نص صغير
بحجم إصبعي
صار أغنية،
إذا استندتُ على نفسي
كسرتُ هاجسي،
إذا استندت على حياتك وحدها
كسرت نفسي!

لعلي الوحيد الذي يبكي
ليحفظ دموعه وسط الجفاف النادر،
لعلي الوحيد
الذي مشت حياته
عارية إلى العالم
و ظل يفتقدها في الركن الخاص ،
لعلي الوحيد
الذي يقرأ كتباً
لتتحسن صحته فقط،
الوحيد
الذي يفتح عينيه
ليعرف طفولته
و يغمضهما
ليذكر أي الأشياء يجب
أن يرعى؟
أي الوحوش يجب أن يستمر؟
أي قصة حب
يفترض أن تدمر الآن؟
أية دعوات تلك التي لن يتبينها
الإله الرحيم في غرف النوم
المتوحش في غرف الإنعاش !


سأحبكِ في غروب الشمس
وفي بكائي على امتداد
السفر من مدينتي إلى هنا ،
هذه الزحمة الوقورة
هذه وحدتي العظيمة
بين فم الموت و أسنان الحب،
بين أصابع السأم
و ألسنة الرهبة،
بين أقدام الهرب
و أكتاف البلاد
أياً كانت هذه البلاد
فإن الغد يصغر بعيني
كأنه بدأ اليوم !

من أين يأتي الشعر ؟
نكتبه لحظة ما نكون جياعاً و متعبين،
يائسين و مرحين،
على سفر
أو في الغرف
و الأعباء،
وحدنا أو في ضجة تسوقنا،
في المداعبة و الطمأنينة
و في الصخب
و الأخطار ،
في هذه المدينة
و في أي مدينة سنقيم بها
لاحقاً.
من أين يأتي الشعر؟
لعله شرخ أزلي
في مكان ما،
بكاء طويل و متقطع ،
لعله
خوفنا قديم
من الجنيات
أو من أمهاتنا !
عامر الطيب


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى