كعادته منذ سنوات خَلت، يُطالع أهالي دائرته بيافطات قُماشية في مُختلف المناسبات الدينية والوطنية، يُفاجَأون بها وقد عُلِّقت بليلٍ بين أعمدة الإنارة، مكتوب عليها بخط عريض: (الحاج أبو شُوق يُهنئ أهالي الدائرة الكِرام بمناسبة ....) وفي شهر رمضان يُعِد الحقائب بمُتطلبات الشهر الكريم، وفي عيد الأضحى يَذبح الأضاحي ويُوزع لحومها بسَخاء، فذاع صَيته بينهم لهذا الكرَم الحاتميّ وذاك الورع الزائد.
في البدء؛ تَساءَلوا: مَن يكون؟! قِيلَ هو أغنى تُجار الخردة في المدينة كلها.
هذا العام؛ تَغيرت عبارة اليافطات، أصبَحت: (من أجلكم رشَحتُ نفسي لانتخابات مجلس.....) وطُبعَ عليها صُورته، ورمزه الانتخابي (الطربوش).
اسمه رنَّان؛ اتضح ذلك لرئيس اللجنة من إقبالُ الجماهير على التصويت له، حتى الأُمّيين - الذين لا يقرأون ولا يكتبون - يَسألون كيف يُعطون صوتهم للحاج.
انتصفَ اليوم الأول للانتخاب، يُفاجأ رئيس اللجنة بصوت جَلبة ووقْع أقدام كأنها مَارش عسكريّ، يَعلو الصوت رُويدًا رويدًا كلما اقتربَ من اللجنة، يُسرع مُصورون بالدخول قبل أن يُؤذَن لهم، يُعطون ظهورهم للجنة وعدساتهم ناحية الباب، يَدخل رجل قصير القامة، كَث الشارب، َضَيِق العَينين، مُنتفخ البطن، يَلبس في عِز الصيف جلبابًا بلديًا من الصُوف له "قيطان" عريض(2) وتعلو رأسه طاقية بحِيطة(3) ومِن خلفة كوكبة من المُناصرين طِوالٌ غلاظٌ شِداد، فبَدا المَنظر كلوحة كاريكاتورية تُجبر الشفاه على الانفراج لا إراديًا.
القاضي يأخذه الفُضُول، يُتابع الحاج في حركاته وسَكناته، وطريقة حديثه، ثم وهو يُوقِّع في كشف الناخبين.
استغرقَ الرجل بِضْع دقائق وهو يَكتب اسمه حرفًا بحرف، حتى أنه لم يُشبِّك بعضها ببعض.
دخَلَت ناخبةٌ عَجوز لا تقرأ ولا تكتب، سَلمها أمين اللجنة بطاقة الانتخاب، ولاَّها شَطر سِتارة خَلفها مِنضدة، عادت لتسأل القاضي وهي تُمسكُ البطاقة بالمَقلوب: فين الطربوش يا أستاذ؟! كان الحاج على مَسمَع منها، فأجابها مُضاحكًا: أنا الطربوش؟
مرَّت الساعات، حانت لحظة الفرز، أُعلنت النتيجة، فَوزٌ ساحقٌ للحاج؛ هَللَّ أنصاره، تَعالت أصواتهم بالدعاء له، مُمتَنين لفَيض كَرمِهِ في توزيع البونات على الغَلابةِ بسخاءٍ أمام اللجان.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) بَونٌ اقتصادي أو اجتماعي: فارق..، وأبونة: جمع بَون.
(2) القيطان: هو النسيج من القطن أو الحرير، يَشتد مثل الحبل ويُزين به الثياب.
(3) الطاقية أُم حيطة: طاقية تُصنع من القماش، وغالبا ما تكون من قماش الجلباب ويُلبَسا معًا.
في البدء؛ تَساءَلوا: مَن يكون؟! قِيلَ هو أغنى تُجار الخردة في المدينة كلها.
هذا العام؛ تَغيرت عبارة اليافطات، أصبَحت: (من أجلكم رشَحتُ نفسي لانتخابات مجلس.....) وطُبعَ عليها صُورته، ورمزه الانتخابي (الطربوش).
اسمه رنَّان؛ اتضح ذلك لرئيس اللجنة من إقبالُ الجماهير على التصويت له، حتى الأُمّيين - الذين لا يقرأون ولا يكتبون - يَسألون كيف يُعطون صوتهم للحاج.
انتصفَ اليوم الأول للانتخاب، يُفاجأ رئيس اللجنة بصوت جَلبة ووقْع أقدام كأنها مَارش عسكريّ، يَعلو الصوت رُويدًا رويدًا كلما اقتربَ من اللجنة، يُسرع مُصورون بالدخول قبل أن يُؤذَن لهم، يُعطون ظهورهم للجنة وعدساتهم ناحية الباب، يَدخل رجل قصير القامة، كَث الشارب، َضَيِق العَينين، مُنتفخ البطن، يَلبس في عِز الصيف جلبابًا بلديًا من الصُوف له "قيطان" عريض(2) وتعلو رأسه طاقية بحِيطة(3) ومِن خلفة كوكبة من المُناصرين طِوالٌ غلاظٌ شِداد، فبَدا المَنظر كلوحة كاريكاتورية تُجبر الشفاه على الانفراج لا إراديًا.
القاضي يأخذه الفُضُول، يُتابع الحاج في حركاته وسَكناته، وطريقة حديثه، ثم وهو يُوقِّع في كشف الناخبين.
استغرقَ الرجل بِضْع دقائق وهو يَكتب اسمه حرفًا بحرف، حتى أنه لم يُشبِّك بعضها ببعض.
دخَلَت ناخبةٌ عَجوز لا تقرأ ولا تكتب، سَلمها أمين اللجنة بطاقة الانتخاب، ولاَّها شَطر سِتارة خَلفها مِنضدة، عادت لتسأل القاضي وهي تُمسكُ البطاقة بالمَقلوب: فين الطربوش يا أستاذ؟! كان الحاج على مَسمَع منها، فأجابها مُضاحكًا: أنا الطربوش؟
مرَّت الساعات، حانت لحظة الفرز، أُعلنت النتيجة، فَوزٌ ساحقٌ للحاج؛ هَللَّ أنصاره، تَعالت أصواتهم بالدعاء له، مُمتَنين لفَيض كَرمِهِ في توزيع البونات على الغَلابةِ بسخاءٍ أمام اللجان.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) بَونٌ اقتصادي أو اجتماعي: فارق..، وأبونة: جمع بَون.
(2) القيطان: هو النسيج من القطن أو الحرير، يَشتد مثل الحبل ويُزين به الثياب.
(3) الطاقية أُم حيطة: طاقية تُصنع من القماش، وغالبا ما تكون من قماش الجلباب ويُلبَسا معًا.
بهاء المري
بهاء المري ist bei Facebook. Tritt Facebook bei, um dich mit بهاء المري und anderen Nutzern, die du kennst, zu vernetzen. Facebook gibt Menschen die Möglichkeit, Inhalte zu teilen und die Welt...
www.facebook.com