عمار حميد مهدي - نظرة من خلال الجدران

توحي لنا الجدران عند النظر اليها للوهلة الاولى احساسا بالعجز والجمود فيما اللاوعي في داخلنا يفسر وجودها انها تمثل عائقا امام ما نريد عندما تواجهنا يوميا في حياتنا ، فهي من العناصر المكانية التي تحيط بنا حيثما نكون ولها في المسميات العديد من الدلالات فهي الجدار والحائط والسور والستار لكنها جميعا تؤدي غرضا واحدا، ان تكون فاصلا بين فضاءين وحاملة للأبواب ومنها المنافذ الى أمكنة جديدة ، وفيها برزت النوافذ لتطل من المساحات المغلقة الى الافاق الواسعة ، عليها رُسمت قلوب العشق والمحبة ومواثيق الاخلاص بين المحبين ، تتلقى الرصاص اوقات الحروب وتتسلق فوقها النباتات وتزهر وقت السلم.

وهي آخر ما يتبقى من الصروح والأبنية القديمة التي تحيلها يد الزمن الى اطلال بعد اندثارها وغالبا ما تحمل عبارات ونقوش الأولين لتكون سجلا يحمل بعضا من الذاكرة الانسانية بمختلف اشكالها ، و شكل آخر من صُحفٍ نترك على سطحها ذكرانا والمشاعر والاحداث، اما التشققات والعلامات على سطوحها فهي تواقيع ورموز من الزمن يتركها عليها.

اقيمت الجدران في بداية الامر من اجل الحماية والدفاع والالتجاء ولكنها انتهت فيما بعد للعزلة والابتعاد عند البعض لذلك كان الفرق بين الخصوصية والابتعاد والنابع من مشاعرنا تقوم الجدران بترجمته فأصبحت مرآة لما نمر به من تقارب او ابتعاد.

ثم اخذت تشبيهات عديدة في حياتنا وعلاقاتنا وعالمنا فأضفينا صفة من نحب ونعتمد عليهم بالجدران التي نستند عليها وشبهنا المعاند والمتعنت بالجدار الذي يقف عائقا امام ما نريد وعندما نقاطع من كنا على وصال معهم أقمنا جدران القطيعة بيننا وبينهم.

ومنها الخشية والحذر فإن اردنا البوح بالأسرار يقفز الى اذهاننا ان (الجدران لها اذان) وهي بهذا المعنى تصغي الينا وتوشي بنا الى الآخرين وهناك ايضا فرصة ان ترد علينا ان تكلمنا معها لذلك قيل في سياقات الكلام ان الحائط من الممكن ان تتلقى ردا منه بينما فلان من الناس لا يرد عليك وذلك في دلالة اليأس من رجاء الآخرين في مطلبٍ ما.

هذه هي حكاية الجدران التي لم يقتصر وجودها على جانب مادي بحت وانما ارست امتدادات نفسية وعاطفية تترك اثرها في جوانب النفس البشرية بمختلف اشكالها وانفعالاتها.

عمار حميد مهدي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى