إدريس على بابكر - ملاك من رحم الخطيئة.. قصة قصيرة

أعلن خبر وفاة جدي، لم يكن صادمآ البتة، هو ميت في دفتر الحضور بعد أن تجاوز المائة عام و بلغ به الخرف لدرجة أن يدخل بين البصلة و قشرتها، كان خبر موته باردآ لهم كغيمة شتوية لم تهتز اي شعرة من رؤوس الجميع أو هدرت دمعة من عيونهم هرولوا إلى مشاغلهم الشاغلة بعد دفن جدي إلى مثواه الأخير.
وقفت وحيدآ على قبره اترحم على روحه الطاهرة جدي شغل الناس بسلطته و جبروته و حكمته بتقدم العمر فقد كل شيء لم يحزن له أحد سواي.
راجع لوحدي حزينآ اتجول في القبور اقرآ شواهد أسماء المتوفين تاريخ الميلاد و تاريخ الوفاة مهما طال الزمان سوف نكون على هذا الحال كل الذي فوق التراب تراب فجأة قرأت شاهد قبر مكتوب عليه نادية أحمد عثمان تمعنت في الاسم الثلاثى و نادي المنادي شعرت بركبتي تلامسان الأرض وضعت كفيي على وجهي و اجهشت بالبكاء دون ما أشعر حضنت قبرها اعترفت لها بكل ذنوبي و طلبت منها العفو و السماح.
نادية أحببتها من كل قلبي بجنون لهوت بها زمانآ
في شبابي و زارتها النجايب و القصيد والدها وقف عائقاً بزواجي منها وصفني وقتذاك بالصعلوك و قليل الادب بعد ثلاثون عامآ التقينا بالصدفة و هي في قبرها الان.
رجعت إلى صيوان العزاء استقبل المعزين على روح جدي كان الفرح طاغيآ على وجوه الجميع لم تغيب عنهم الابتسامات العريضة و الضحكات العميقة الكفوف ترفع الفاتحة جزء من الثانية ثم تكفي على عجل.
اسأل نفسي كيف قرآت الفاتحة؟
جلسوا جماعات متفرقة يتحدثون عن السياسة و الاقتصاد و الرياضة و الجدال في الدين أكلوا حتى شبعوا الطعام مطبوخ بمزاج عالي خالي من أي نكهة للحزن.
بعد أيام ألمت بي وعكة صحية اخذني ابني إلى المستشفى وضعوني في غرفة مرتبة مع العناية الفائقة من الكادر الطبي و بالأخص ممرضة تشرف على تتجول حولي كالفراشة تفيض حب و إنسانية دفاقة تعاملني مثل والدها تقاسيم ملامح مشتركة بيني و بينها تكاد تشبهني تناديني بابا كنية للاحترام صوتها الدافي تسري في عروقي كان دافعآ للشفاء العاجل تمنيت أن تكون لي بنت مثلها رصيدي من الإنجاب ثلاثة ذكور لا غير من زوجتي.
كنت اتآمل طلوع الشمس على نافذة الغرفة و اتذكر حكاوي و قصص جدي فجأة صفقت بيديها الجميلتين فخلعتني نشلتني من تأملي و قالت لي بصوتها الحنون سرحان وين يابا!! قبلتني على جبيني و أعطيتني الأدوية في الميعاد خبرتني بلطف غداً سوف اخرج من المستشفى بعد ما لبست ثوب العافية.
اخطرتني أن والدتها سوف تحضر صباح اليوم لزيارتها تحب أن تعرفنا على بعض برهة دخلت والدتها الغرفة اول ما راتني و وقعت عيني على وجه جميل زحف عليه بعض التجاعيد يا إلهي أصبت بالجمود شل تفكيري شعور بطعم الدهشة اقتربت أن اتبول في سروالي يا ربا الحمد لله نادية على قيد الحياة المرحومة التي في المقابر كانت مجرد تشابه في الأسماء.
من جانبها لم أستطع أن اوصف شعورها سلمت على ببرود شديد و ابتسامة باهتة الاثنان انكرنا المعرفة بينا و قبل ثلاثون عامآ كنا حبيبين لا نفترق.
لحظة من الصدمة و الرعب و الجنون أيقظت في دواخلنا أطلال الذكريات صامتآ في الخيال و جبال من الوحشة
خرجت من المستشفى في المساء رن هاتفي ابتعدت من زوجتي صوت نادية الدافي كما كانت ممتلئة بحنيتها تسأل عن احوالي و تجهش بالبكاء و تخبرني أن الممرضة التي كانت ترعاني هي بنتي من صلبي منسوبة إلى اب آخر هي ثمرة خطيئة فعلناها آنذاك في ظل الشيطان.

(تمت)
إدريس على بابكر.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى