د. عبداللطيف علوي - السّاعة منتصف العمر.. شعر

كمِ السَّاعةُ الآنَ...؟
انتَصَفَ العُمْرُ .. أو ربّمَا صارَ خلفِي..
ولمْ يبْقَ غيرُ القليلِ..
على أُهْبَةِ الْموتِ دوْمًا أنا، يا إِلَهِي..!!
أُدَحْرِجُ هذِي الْحياةَ كقُنْبُلةٍ منْ فراغٍ...
بلاَ صاعِقٍ أَوْ فَتِيلِ..
أَعُودُ إِليكَ مَتَى شِئْتَ خِفًّا رَضِيَّا...
فَما عِشْتُ أَكْثَرَ ممَّا يَلِيقُ!
وَلاَ دِنْتُ يَومًا لِغيْرِ الفَراشاتِ، والطَّيْرِ فِي أَوْجِ سُلْطانِهَا ...
وَالنَّخِيلِ...
لكلِّ الغيومِ الّتي بلَّـلتْ سقفَ بيتِــي،
ونامتْ على كَتِفِــي ذاتَ ليلٍ طويلِ ....
كمِ السَّاعةُ الآنَ ...؟
لا شــيءَ يبــدُو على غيرِ عاداتِــهِ ...
غيرَ أَنِّي أُحِسُّ دَبيبَ خُطًى تتباعدُ خلفي، وأشعــرُ بالبَردِ،
يثْقُــلُ فوقــي التُّــرابُ،
وَلا شيءَ يبدُو على غيرِ عاداتِهِ، المَطرُ الرَّخْوُ...
فاكِهــةُ الثّلجِ فــوقَ أَكُفِّ الصِّغــارِ ...
فَحِيحُ الْكِبَارِ ..
ولا شــيءَ يبــدُو على غيرِ عاداتِــهِ ..
هلْ تُسـافرُ وحْدكَ؟ خُذْ ما بدا لكَ من وَعَثِ الذِّكرياتِ،
ومُــدَّ الخُــطى ..
لاَ رفــيقَ لكَ اليومَ غيرُ السَّبِيــلِ ..
كمِ السّاعةُ الآنَ؟
أذكرُ أنّي تَركــتُ على خدِّ مرآتِها قُبْلــةً وبكــيتْ ..
وما زالَ يذبحُنِي صوتُها،
وهــي تمدحُنِــي عند جاراتِها الحاسداتِ ..
لِتَسْتُــرَ غُصَّتــها وعُيــوبي ..
أَراهَا كَعادَتِهَا ...
تتفقَّدُ مِحْفَظَتِي وَجُيُوبِي
تُفتِّشُ في غَفْلَتِي ..
عن بَقايا سجائرَ، خيباتِ طفلٍ عظيمٍ، وُعُودِ الصّبايَا اللَّواعِبِ،
أو كتُبٍ غيرِ مَشروعةٍ في السّياسةِ والدّينِ والجنسِ،
والفرَحِ الْمُسْتَحِيلِ
وَمَازالَ قَلْبِي يَنَامُ على رُكْبَتَيْهَا ..
وَيَحْلُمُ في تَرَفٍ ... بِالْقَلِيلِ
بنافذةٍ في المنامِ تُطِــلُّ على ابنةِ جارتِنا ..
وسريرٍ من العُشْــبِ أسفلَ شُرْفَــتِها ..
وقليلٍ ... قليلٍ من الحظِّ
كي ترقُصَ الرِّيحُ في طرَبٍ تحتَ فستانِها ...
فوقَ حبلِ الغسِيلِ،
ومَازَالَ يَعْطِبُنِي بِالْحَنِينِ ...
هَسِيسُ الدَّوَالِي، ووَشْوَشَةُ السَّرْوِ في سرِّ جارَتِهِ السِّنْدِيانةِ،
نَبْحُ الْكِلابِ إِذا الْتَبَسَتْ في الرِّياحِ روائِحُها، أَوْ تَنادَتْ ...
تَردُّدُ حشرَجةٍ في النّقِيقِ على سُلَّمِ الْغَزَلِ المَوْسِمِيِّ،
وخفقُ يَمامٍ، وَرَجْعُ هَدِيلِ ...
عَفَا الرَّسْمُ يا شَاعِرِي، خدَعتْكَ الْقصيدةُ واسْتَغْلَقَتْ ..
فَدَعِ الْقَلْبَ يَعْوِي على بابِهَا مثلَ ذئْبٍ كَلِيلِ
كمِ السَّاعةُ الآنَ ...؟
كم مرّةٍ دارتِ الأَرضُ حَــولي ولمْ أَكْتَرِثْ،
كَيْفَما دارتِ الأَرضُ حَــولي سوى بِخُطـــايْ
على شَفْرَةِ الْحُلْمِ أَرْكُضُ أَرْكُضُ أركُضْ...
ولا حقَّ لي أَبَدًا في التَّلَفُّتِ، أو في التَّوقُّفِ، أو خُطْوةٍ ناقِصهْ
أَثْخَنتْنِي المحــبَّةُ يا جدّتي .. وَهَــنَتْ رُكْبتَـــايْ
وَمَا أَرْخَتِ الرِّيحُ لِي غيْمةً أَو جَنَاحَا ...
وَلاَ زَغْرَدَتْ في سَمايْ
مَضَــى الْعُمرُ خِبًّا عَجُولاَ،
وَأَيْقَظَنِي مطرٌ حامِضٌ في تمام القصيدهْ ..
على ساحلِ الأرْبَعِينَ يَهِيمُ الضّبابُ ..
وتَغْفُو شُموعٌ عَنِيدَهْ!
يدورُ الصِّغارُ بِلا تَعبٍ حوْلَها ..
ينقرون أواني الصّفيحِ ويحتَلِبُــونَ الغيوم البعيــدَهْ
- أبي .. رُدَّ عنكَ الدّخانَ، ودَعْ عنك تلكَ الجَــرِيدَهْ
أَتَخْشَــى المَطَرْ؟؟
- مثلَ كلِّ الكِبَـــارِ ..
- وتخشى من الرّكضِ فوق الحصــى حافيـــا؟
- مثلَ كلِّ الكِبَـــارِ
- وتخشى المَسيـــرَ على حافةِ البئــرِ يا أبتِ؟
- مثلَ كلِّ الكِبَـــارِ ..
على ساحِلِ الأربعينَ تشِيبُ سرِيعًا ...
وَلَمَّا يَجِفَّ الْحَلِيبُ الّذي قدْ رَضعْتَ
وماذا تَظُنُّكَ أورَثْتَهُمْ؟
شَغَــفا بالرّســائلِ؟
زيتَ المصابيحِ في شقْفَةِ الرُّوحِ؟
آراءَ في الحبِّ والموتِ ساديَّـــةً مُتَطرِّفـــةً،
أَمْ قصائدَ سافِـــرةً غيرَ مَقْـــروءةٍ؟
ما الّذي يستحقُّ اعتذاركَ قَبْلَ الرَّحيلِ؟
وماذا إذا لم تَعُدْ للحزينةِ طفلاً كما انتظرَتْكَ!
وماذا إذا أنكرَتْكَ؟
وماذا إذا صارَ حتّى بكاؤُكَ، ضرْبًا من المستَحــيلِ؟
سلامٌ علَى منْ سيَبْكُونَ ما ضيَّعُوا ...
بعْدَ عُمْرٍ طَوِيلِ!

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى