د. عبد اللطيف العلوي - وتَسألُني.. ما الّذي بعد كلّ الّذي عشتَ، لا يُعْجِبُكْ..؟

وتَسألُني ..
ما الّذي بعد كلّ الّذي عشتَ ، لا يُعْجِبُكْ ..؟
كيف تعشقُ بوحَ السّواقي و شَجْوَ الأغانِي ،
ولا شيءَ في أرضِنا يُطْرِبُكْ ؟ !
وتقولُ بأنّ الحياةَ البسيطةَ أعظمُ ما في الحياةِ ،
وقد تاهَ في غَيِّها مركبُكْ ؟
وتسألُني ..
لِمَ تحلمُ دوْمًا بأشياءَ في غيرِ حالاتِها المُشتَهاةِ ؟
تحبُّ الكلامَ الّذي لا يطولُ ...
ولا ينتهي ..
والنّساءَ إذا لم يَهَبْنَكَ ما تشتَهي ..
والدّروسَ الّتي لا تُباعُ بسوقِ الرّقيمِ
لتصنعَ دومًا غَدَ النّاجحينَ ،
ومَجدًا مَكِينَا ..
وتسألُني ...
ما الّذي يعتريكَ ؟؟
فتَحْنُو بلا سببٍ حين يقسُو الجميعُ
وتبكي بلا سببٍ حينَ يَزْهُو الرّبيعُ
وتَحذَرُ مثلَ الفراخِ الصّغيرةِ ما قد يُصيبُكَ من فرحٍ طائِشٍ
كم منَ العمرِ يا عاشِقي ينبغي أن يَضيعَ
لِنصطادَ من عُمْرِنا لَحظةً لا تضيعُ ..؟ !
وتسألُنِي ..
لمَ لا نتكاثرُ مثلَ السّلاحفِ في عالمٍ منْ غبارٍ
ونكبرُ دون اهتمامٍ ولا أَسَفِ ..
دونما ندمٍ أو غُرورٍ ولا شَرَفِ ..
ونَبِيضُ حجارةَ أحلامنا في الرّمال البعيدةِ ،
نترُكُها خلفنا دونَ ذكرًى .. ولوْ شارِدَهْ !
لمَ تحفَظُ يا عاشِقي كلَّ هذي القصائِدِ ،
عن غُربةِ الشَّنْفرَى ، وملوكِ الطّوائِفِ ،
والموتِ قبل الولادةِ ، والمُدُنِ الجاحدهْ ؟؟
لمَ تكتبُ شِعْرًا حزينًا ؟
وتضحكُ ضِحْكًا حزينًا ؟
وترقصُ رقصًا حزينًا على نغمةٍ واحِدَهْ ؟
ثمَّ ماذا ؟ ..
وتسألنِي : ثمَّ ماذا ؟ ..
لماذا تُحدّثُني دائما عن رِفاقِ الطُّفولهْ ؟
وعن زهرةِ التّلِّ زينبَ :
ذاتِ العيونِ الخجولهْ ..
وعن سرِّ فستانِها المتموّجِ من زَهَرِ اللّوزِ في كلّ فصلٍ ،
عن الرّيحِ ترقصُ بينَ الضّفائِرِ ،
والأعيُنِ الدّاعِجاتِ الكَحيلَهْ ..
وعنْ شرفةٍ في مَهَبِّ الحنينِ ،
وبيتٍ صغيرٍ تُدَفّئُهُ جَمرتانِ ،
أثاثُهُ بعضُ الوسائدِ والأمنياتُ القليلَهْ ...
وتسألُني : ثمَّ ماذا ..؟
أتحسَبُ يا شاعِري أنّ وردَ الصّبا لا يَشيبُ ؟
وأنَّ الرِّفاقَ الّذينَ مَضَوْا مَعْ حِكاياتِهِمْ ،
لمْ يزالُوا على موعِدٍ مُنذُ عشرينَ عامًا ...
مع القُبْلَةِ المُسْتَحِيلَهْ
وأنَّ المليحةَ زينبَ ،
لمَّا تَزَلْ بعدُ زينبَ :
في ثوبها المِخْمَليِّ الشّفيفِ ،
وَ طُهْرِ العُيونِ البليلَهْ ...
لقدْ أيبَسَ العودُ مِنها ومنهم ..
كما أيْبَسَ العودُ منكَ ومنّي ..
وما خابَ ظَنِّي ،
ولكنّني قَدْرَ كُرْهي لِضَعْفِي ..
كَرهتُ التّمَنِّي .. !
وتسألُني : ثمّ ماذا ؟ ..
وماذا لوِ اكتملتْ في سرابِ الحقيقةِ رُؤْيا المجازِ ؟
وأسّستَ دولتَكَ الفاضِلَهْ ..
هل تُرَى سوفَ تحيا بِها ؟
هل سَيَعْمُرُها العاشقونَ ويحكمُها الشّعراءُ ؟
وهل ستَحجُّ إليها الذّئابُ لِتُعلنَ توبتَها الكاملَهْ ؟
هل تَرى ...؟
نحنُ لسنا ملائكةً يا حبيبي ، ولا مُرسَلينَ ..
برَغمِ الّذي يدّعونَ ..
عن الخيلِ لمّا بَكَتْ ،
و الحروبِ المُقدّسةِ العادِلَهْ
وبرغمِ القصائدِ والكتبِ المدرسيّةِ والخطبِ الفاشِلَهْ ..
نحن مثل الجميعِ هنا ..
تافهون صِغارٌ ومُسْتَنْزَفونَ
بلاَ أيِّ قِيمَهْ ..
دُمًى من عِظامٍ ولحمٍ وجلْدٍ ،
ورُوحٍ سَقِيمَهْ
ولكنّنا مثلَهُمْ في الوجِيعةِ أيضًا ..
كبارٌ بِحَجْمِ الوجيعَهْ
بحجمِ انكساراتِنَا كلَّ حينٍ ، وخيباتِنا القاتِلَهْ ..
ثمّ ماذا ؟
وتسألُني..
لِمَ تصمُتُ طولَ الطّريقِ ؟ .. كأنّي أكلّمُ نفسي ..
فأصحو على صوتها من شُرودي ومن غفوتِي ..
وأقولُ لها شِبْهَ مُعتَذِرٍ :
هلْ تُعيدينَ ما قُلتِ ثانِيَةً .. لو سَمَحْتِ ؟
فقد كنتُ طولَ القصيدةِ ...
....أُصْغِي لنفسي !

# عبد اللطيف علوي


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى