صرخت بصوتك المكسور في نبرته
" الخرطوم ، أيتها العاهرة العُنصرية ، متى تفرجين رجليكِ لعشيقك السر"
هكذا صدحت ذلك الصباح ، ضحك الباعة المتجولون ، عمال المطاعم ، بأياديهم المتسخة بالشحوم ، وثيابهم تفوح منها نتانة المياه المتسخة ، والاطعمة التالفة
سرت كعادتك منذ عرفت المدينة قصتك قبل ما يقارب الثلاثين عامًا
تتسكع في الازقة الضيقة ، تضع داخل سروالك القديم زجاجة بلاستيكية مكدسة بالخمر المحلي ( العرقي ) ، تتجرع منها مرة واثنان وعشرة ، تتجرعحتى تختنق ، ثم تترنح في السير
تشتم المحافظ ، ومصانع الحديد ، وقبة المختار
تحكي عن جدتك العارية بلا خجل ، تقول ان التاريخ ألبسها كتاب ، ثم باعها لسفن العبيد
يضحك الكثيرون ، ويسألك البعض
بأي كتاب ؟
تضحك ، ترتشف من زجاجتك ثم تصرخ
" ليس اجمل من الخمرة ، سوى ردفيّ فاطمتي "
المدينة تحفظ تفاصيلك ، تُميز صوتك على بعد كيلومترات ، يتبادلون قصائدك المُغامرون و العمال الكادحون بأياديهم المُجهدة في المقاهي ، المُثقفون في اوكارهم السرية ، النساء في جلسات القهوة ، حين يمتد الحديث الى الافخاذ ، والارداف و المضاجعات الجامحة.
عُرفت كرمز للمدينة ، كتماثيلها ، قوادها السريون ، عاهراتها اللواتي يعرفن كوخك ، كملاذ حين تضيق بهن السبل ، رمزًا للخراب ، كروائح الإبط الخرطومي النتن ، كأطفالها ومشرديها وجسورها المتآكلة
يعرفونك سكان الكلاكلة جميعهم ، تعرفك الشوارع بثرثرتك التي لم تتوقف يوماً عن ازعاج ليلها ، منزل جدك الذي يقع جوار النهر ، في ذات مُصافحة حادة بين النهر والمنطقة ، جرفت المياه بيتك الذي ورثته، وحوله الى حطام ، بنيت كوخك الخشبي بعد ان هدأت شهوة النهر ، نقلت الاحطاب بكتفك ، فرعا فرعا ، ثم شيدته على طريقتك في عام كامل
تستيقظ مبكراً لتصطاد الاسماك
ثم تمضي مشياً على الاقدام قاطعاً كيلو مترات ، تُغني وتنشد قصائدك ، تنتظرنك النسوة صباحاً ليشترين منك صيدك
يداعبنك احياناً ، يخرجن بثياب نومهن ، يغازلنك بعضهن ، والبعض يطلبنك سراً
تستجيب حين يكون مزاجك هادئاً
لكنك دائماً ما تضحك
" يا فاطمة ، ابعدي ظلك عني ، لأرى ارداف الاخريات "
تصدح بأعلى صوتك
تتأمل ارداف النساء ، النهود المنتفخات ، تتذكر فاطمة عندما كنتم صغارا / بريئين مثل دعوات الامهات
تجلس بجوارك و انت تصطاد ، برفقة جدك ، تتملص من رقابة والدها وتهرب اليك
لكن ذلك الصباح الذي غابت فيه ، غابت الشمس ولم تشرق بعدها
لأنها استيقظت ببقع دم بين فخذيها ، عندها تحولت الى امرأة ولم يعد بإمكانها اللعب ، قذف بها والدها نحو بلاد غربية .
ومن يومها وانت تطوف الشوارع ، تكتب لها الشعر و تغنيها
كان هذا قبل اكثر من ثلاثين عاماً يا السر
وانت ما زلت تعتقد ان غيابها حدث البارحة "ذاكرتك طيبة كقلبك ، جففت الوقت بالقماشة التي تحيط بكتفك"
كبرت وصعد الشيب الى رأسك وما زلت تعتقد انك ذلك الصبي الصغير ، مُحاصر برائحة اسماك السلمون و "القرموط"
كنت في الحانة ، برفقة صيادين وبحارة عندما سمعوا دوي المدافع ، وقذف اسلحة ثقيلة ، عرفتم بالحدس أن المدينة تتزين بالموت ، منذ ذلك القذف ، لم يفارق البارود انفك
لأن المُحافظ الغاضب كان جزءا من ذلك الانقلاب ، جاء يصفي حساباته مع من ينثر اسم ابنته حيثما جلس
كنتم تتبادلون الكؤوس ، و السمك المشوي ، والقصص الكاذبة عن المغامرات النسائية ، عن مؤخرات لينة ، و عن بنات الباشوات ، حينما اقتحم رجال ملتحون البار ، كان الانقلابون الجُدد ، يقومون بفتوحات ، سموها حملات تطهير المدينة بمباركة السلطة الجديدة ، قتلوا من قتلوا ، وفر من فر ، اما انت فكنت محجوزاً للمحافظ الذي اصبح والياً
قذف بك نحو مصانع الحديد ، هكذا كانوا يفعلون بالسجناء ، من يُريدون اذلالهم ، يربطونهم ليعملوا عبيداً
هناك شاهدت احد الصبية يسقط داخل وعاء صهر الحديد ، ويتلاشى كأنه لم يكن موجوداً ، وكأن وجوده طُرفة صغيرة
قطعت ماكنة ضخمة يد صديقك ، اطلق احد الجنود رصاصة في رأس صديقك في الزنزانة ، اجبروا احدهم على ان يأكل ( خراء ) صديقه ، ثم يشرب الأخر بوله
ورغم ذلك لم تكن تهتم ، تجلس في نهاية اليوم ، داخل زنزانتك تُغني فاطمتك ، تنشد فيها القصائد ، وترقص ، تتذكر ملامحها الصافية
تتجرأ زجاجة عرقك وتبكي وتنشد
حين عدت بعد خمسة اعوام الى الخرطوم
صرخت في مدخلها فيها كعادتك
" الخرطوم ايتها المدينة الداعرة ، هل ستفرجين رجليكِ للسر "
سرت كأن الوقت عندك مُعطل ، عرفت ان ابعادك عن المدينة كان سياسياً ، كانوا يخشون صوتك ، يخشون اليوم الذي تلعن دينهم الذي جاؤوا به
لكنك عدت
عدت لحتفك ، لم تكن الخرطوم داعرتك كما تركتها ، لم تعتزل الدعارة بل اصبحت داعرة وقاتلة ، تم هدم باراتك ، واصبح العرقي يُباع سراً
في اول يوم لك ، قبضوا عليك بتهمة السكر ، جُلدت اربعين سوطاً ، وقبل ان تخرج طلبت زجاجتك المُصادرة
ركلك الجندي حتى سقطت على وجهك
ومن يومها وانت تُركل
وقفت منتصف الساحة ، شتمت المُحافظ الذي اصبح والياً ، ادخلت يدك في سروالك ، مُخرجاً زجاجة عرق
انشدت للوطن ، لصنارة صيدك ، والشباك ، و مركبك الذي تآكل ، ثم انشدت لفاطمة
اجتمع حولك المشردون ، كانوا قد شاخوا ، اعطيتهم كل ما تملك ومضيت نحو المتحف القومي
تبولت على جداره ، ثم عرجت الى ضفة النيل لتنام هناك / مشرداً ، خالياً من المخاوف
تتذكر القذف الذي تم قبل ما يقارب الثلاثين عاماً ، التهمتك النيران حينها
لأنها التهمت عالمك البسيط ، كانت اعلى سلطة في ذهنك اسمها المُحافظ و لا تزال
لان المُحافظ استطاع ان يسلبك حلمك
تتذكر الفتاة التي جلست قربك مواجهة للبحر ، ارتك صورة لك وانت تتبول في تلفاز ، في احدى المقاهي ، اخرجت عضوك ، وتبولت في شاشة التلفاز امام الجميع ، لكمك صاحب المقهى وقذف بك الى الخارج
ولحق بك احد الناشطين ، ظن فيك السوء ، اتهمك بالمعارضة ، دعاك لفنجان قهوة
انت لست مُعارضا ، ولست حليفا لأحد تجار الموت
انت فقط تكره المحافظ الذي سلبك نهديّ جميلتك ، حدثك عن رأس المال ، ومعاناة العمال ، ارتشفت القهوة ، ثم اخرجت زجاجتك البلاستيكية ، تجرعت منها
وقفت على الطاولة ، حتى اندهش هو وصرخت
"الخرطوم ايتها المدينة الداعرة متى تفرجين رجلك "
عرف من تكون ، ضحك في سره ، مد لك سيجارة وانسحب
امك كانت تقول
ان الحرب كانت هنا ، امك كانت مجنونة ، لم تحدث حرب في الخرطوم
حدثت حرب في الجنوب حيث امك امضت سنيناً برفقة والدك ، ولكن منذ مات والدك فقدت عقلها
وقفت امام قبة المختار ، ضحكت ، ثم مرة اخرى صرخت
" ايها المختار بجبتك المرقعة ، لماذا قطعت عنق قردون ونسيت عنق المحافظ"
تبولت على القبة ، ثم اخرجت من داخل معطفك المتسخ برائحة الاسماك ، والزيوت زجاجة خمرك
و سرت حتى مكتب المُحافظ القديم
وصرخت
"ليس هناك اجمل من الخمر سوى ردفيّ فاطمتي"
انتبهت لك سيارة الدورية ، عرفتك من هيئتك ، امسكوا بك ، وطلبوا منك ان تنشد لهم قصائد
ولأن مزاجك كان لطيفاً ، احتسيت المزيد وانشدت لفاطمة
ولعنت المحافظ ، وكرشه ، وسيارته الليموزين ، ووجهه المنتفخ
ثم غنيت للعذراوات ، للإبط الافريقي ، للسفن البخارية التي كانت تعبر بالمرفأ ، لليونانية التي كانت تُعطيك جسدها وزجاجات ويسكي ، غنيت لرائحة الجسد الاوربي الذي يشبه رائحة البارود
انشدت قصائدك البذيئة ، قذفوا لك زجاجة معتقة وانزلوك بالقرب من منطقتك
وعدت تترنح وتُغني بصوت مرتفع ، تزعج خميس المتزوجين ، وتشعل خيال المُراهقات بالحب العذري ، انفتحت نوافذ من الاحياء الراقية ، عيون فضولية تتأملك من اعلى ، بثياب النوم التي تشتهي الخلع بيد عاشق ثمل
صرخت وانت تنهي قصيدة
" ليس هناك اجمل من الخمر ، سوى ردفيّ فاطمتي "
خرج رجل ملتحي يحمل عصا
شتمك ، و توعدك بالقتل
لأنك طيب ، كنسمة ذلك المساء ، ابتسمت وانت تتجرع من زجاجتك وتبتعد
قلت وانت تمضي
"ايتها الخرطوم المدينة الداعرة ، متى تفرجين رجليكِ لمعشوقك السر"
ومضيت
وحدك نحو كوخك / او ذاكرتك العجوزة
كفاطمتك ، فاطمتك التي اصبحت اماً وربما كادت ان تُصبح جدة
استيقظت المدينة بصورتك التي تزين الصحف المعارضة والحكومية ، قالوا انك حاولت اقتحام منزل المحافظ فاطلقوا عليك رصاصة في راسك ، وقال اخرون ان السلطة لم تعد تحتملك ، وقال بعض الناشطين ان جماعة سلفية متشددة اتهمتك بنشر الرذيلة في المدينة
كتب عشاقك على شاهدك
"المدينة الداعرة لا تفرج رجليها للعشاق ابداً ، بل للمدافع"
محمد ود عزوز
* القصة الفائزه بالمركز الثالث.
" الخرطوم ، أيتها العاهرة العُنصرية ، متى تفرجين رجليكِ لعشيقك السر"
هكذا صدحت ذلك الصباح ، ضحك الباعة المتجولون ، عمال المطاعم ، بأياديهم المتسخة بالشحوم ، وثيابهم تفوح منها نتانة المياه المتسخة ، والاطعمة التالفة
سرت كعادتك منذ عرفت المدينة قصتك قبل ما يقارب الثلاثين عامًا
تتسكع في الازقة الضيقة ، تضع داخل سروالك القديم زجاجة بلاستيكية مكدسة بالخمر المحلي ( العرقي ) ، تتجرع منها مرة واثنان وعشرة ، تتجرعحتى تختنق ، ثم تترنح في السير
تشتم المحافظ ، ومصانع الحديد ، وقبة المختار
تحكي عن جدتك العارية بلا خجل ، تقول ان التاريخ ألبسها كتاب ، ثم باعها لسفن العبيد
يضحك الكثيرون ، ويسألك البعض
بأي كتاب ؟
تضحك ، ترتشف من زجاجتك ثم تصرخ
" ليس اجمل من الخمرة ، سوى ردفيّ فاطمتي "
المدينة تحفظ تفاصيلك ، تُميز صوتك على بعد كيلومترات ، يتبادلون قصائدك المُغامرون و العمال الكادحون بأياديهم المُجهدة في المقاهي ، المُثقفون في اوكارهم السرية ، النساء في جلسات القهوة ، حين يمتد الحديث الى الافخاذ ، والارداف و المضاجعات الجامحة.
عُرفت كرمز للمدينة ، كتماثيلها ، قوادها السريون ، عاهراتها اللواتي يعرفن كوخك ، كملاذ حين تضيق بهن السبل ، رمزًا للخراب ، كروائح الإبط الخرطومي النتن ، كأطفالها ومشرديها وجسورها المتآكلة
يعرفونك سكان الكلاكلة جميعهم ، تعرفك الشوارع بثرثرتك التي لم تتوقف يوماً عن ازعاج ليلها ، منزل جدك الذي يقع جوار النهر ، في ذات مُصافحة حادة بين النهر والمنطقة ، جرفت المياه بيتك الذي ورثته، وحوله الى حطام ، بنيت كوخك الخشبي بعد ان هدأت شهوة النهر ، نقلت الاحطاب بكتفك ، فرعا فرعا ، ثم شيدته على طريقتك في عام كامل
تستيقظ مبكراً لتصطاد الاسماك
ثم تمضي مشياً على الاقدام قاطعاً كيلو مترات ، تُغني وتنشد قصائدك ، تنتظرنك النسوة صباحاً ليشترين منك صيدك
يداعبنك احياناً ، يخرجن بثياب نومهن ، يغازلنك بعضهن ، والبعض يطلبنك سراً
تستجيب حين يكون مزاجك هادئاً
لكنك دائماً ما تضحك
" يا فاطمة ، ابعدي ظلك عني ، لأرى ارداف الاخريات "
تصدح بأعلى صوتك
تتأمل ارداف النساء ، النهود المنتفخات ، تتذكر فاطمة عندما كنتم صغارا / بريئين مثل دعوات الامهات
تجلس بجوارك و انت تصطاد ، برفقة جدك ، تتملص من رقابة والدها وتهرب اليك
لكن ذلك الصباح الذي غابت فيه ، غابت الشمس ولم تشرق بعدها
لأنها استيقظت ببقع دم بين فخذيها ، عندها تحولت الى امرأة ولم يعد بإمكانها اللعب ، قذف بها والدها نحو بلاد غربية .
ومن يومها وانت تطوف الشوارع ، تكتب لها الشعر و تغنيها
كان هذا قبل اكثر من ثلاثين عاماً يا السر
وانت ما زلت تعتقد ان غيابها حدث البارحة "ذاكرتك طيبة كقلبك ، جففت الوقت بالقماشة التي تحيط بكتفك"
كبرت وصعد الشيب الى رأسك وما زلت تعتقد انك ذلك الصبي الصغير ، مُحاصر برائحة اسماك السلمون و "القرموط"
كنت في الحانة ، برفقة صيادين وبحارة عندما سمعوا دوي المدافع ، وقذف اسلحة ثقيلة ، عرفتم بالحدس أن المدينة تتزين بالموت ، منذ ذلك القذف ، لم يفارق البارود انفك
لأن المُحافظ الغاضب كان جزءا من ذلك الانقلاب ، جاء يصفي حساباته مع من ينثر اسم ابنته حيثما جلس
كنتم تتبادلون الكؤوس ، و السمك المشوي ، والقصص الكاذبة عن المغامرات النسائية ، عن مؤخرات لينة ، و عن بنات الباشوات ، حينما اقتحم رجال ملتحون البار ، كان الانقلابون الجُدد ، يقومون بفتوحات ، سموها حملات تطهير المدينة بمباركة السلطة الجديدة ، قتلوا من قتلوا ، وفر من فر ، اما انت فكنت محجوزاً للمحافظ الذي اصبح والياً
قذف بك نحو مصانع الحديد ، هكذا كانوا يفعلون بالسجناء ، من يُريدون اذلالهم ، يربطونهم ليعملوا عبيداً
هناك شاهدت احد الصبية يسقط داخل وعاء صهر الحديد ، ويتلاشى كأنه لم يكن موجوداً ، وكأن وجوده طُرفة صغيرة
قطعت ماكنة ضخمة يد صديقك ، اطلق احد الجنود رصاصة في رأس صديقك في الزنزانة ، اجبروا احدهم على ان يأكل ( خراء ) صديقه ، ثم يشرب الأخر بوله
ورغم ذلك لم تكن تهتم ، تجلس في نهاية اليوم ، داخل زنزانتك تُغني فاطمتك ، تنشد فيها القصائد ، وترقص ، تتذكر ملامحها الصافية
تتجرأ زجاجة عرقك وتبكي وتنشد
حين عدت بعد خمسة اعوام الى الخرطوم
صرخت في مدخلها فيها كعادتك
" الخرطوم ايتها المدينة الداعرة ، هل ستفرجين رجليكِ للسر "
سرت كأن الوقت عندك مُعطل ، عرفت ان ابعادك عن المدينة كان سياسياً ، كانوا يخشون صوتك ، يخشون اليوم الذي تلعن دينهم الذي جاؤوا به
لكنك عدت
عدت لحتفك ، لم تكن الخرطوم داعرتك كما تركتها ، لم تعتزل الدعارة بل اصبحت داعرة وقاتلة ، تم هدم باراتك ، واصبح العرقي يُباع سراً
في اول يوم لك ، قبضوا عليك بتهمة السكر ، جُلدت اربعين سوطاً ، وقبل ان تخرج طلبت زجاجتك المُصادرة
ركلك الجندي حتى سقطت على وجهك
ومن يومها وانت تُركل
وقفت منتصف الساحة ، شتمت المُحافظ الذي اصبح والياً ، ادخلت يدك في سروالك ، مُخرجاً زجاجة عرق
انشدت للوطن ، لصنارة صيدك ، والشباك ، و مركبك الذي تآكل ، ثم انشدت لفاطمة
اجتمع حولك المشردون ، كانوا قد شاخوا ، اعطيتهم كل ما تملك ومضيت نحو المتحف القومي
تبولت على جداره ، ثم عرجت الى ضفة النيل لتنام هناك / مشرداً ، خالياً من المخاوف
تتذكر القذف الذي تم قبل ما يقارب الثلاثين عاماً ، التهمتك النيران حينها
لأنها التهمت عالمك البسيط ، كانت اعلى سلطة في ذهنك اسمها المُحافظ و لا تزال
لان المُحافظ استطاع ان يسلبك حلمك
تتذكر الفتاة التي جلست قربك مواجهة للبحر ، ارتك صورة لك وانت تتبول في تلفاز ، في احدى المقاهي ، اخرجت عضوك ، وتبولت في شاشة التلفاز امام الجميع ، لكمك صاحب المقهى وقذف بك الى الخارج
ولحق بك احد الناشطين ، ظن فيك السوء ، اتهمك بالمعارضة ، دعاك لفنجان قهوة
انت لست مُعارضا ، ولست حليفا لأحد تجار الموت
انت فقط تكره المحافظ الذي سلبك نهديّ جميلتك ، حدثك عن رأس المال ، ومعاناة العمال ، ارتشفت القهوة ، ثم اخرجت زجاجتك البلاستيكية ، تجرعت منها
وقفت على الطاولة ، حتى اندهش هو وصرخت
"الخرطوم ايتها المدينة الداعرة متى تفرجين رجلك "
عرف من تكون ، ضحك في سره ، مد لك سيجارة وانسحب
امك كانت تقول
ان الحرب كانت هنا ، امك كانت مجنونة ، لم تحدث حرب في الخرطوم
حدثت حرب في الجنوب حيث امك امضت سنيناً برفقة والدك ، ولكن منذ مات والدك فقدت عقلها
وقفت امام قبة المختار ، ضحكت ، ثم مرة اخرى صرخت
" ايها المختار بجبتك المرقعة ، لماذا قطعت عنق قردون ونسيت عنق المحافظ"
تبولت على القبة ، ثم اخرجت من داخل معطفك المتسخ برائحة الاسماك ، والزيوت زجاجة خمرك
و سرت حتى مكتب المُحافظ القديم
وصرخت
"ليس هناك اجمل من الخمر سوى ردفيّ فاطمتي"
انتبهت لك سيارة الدورية ، عرفتك من هيئتك ، امسكوا بك ، وطلبوا منك ان تنشد لهم قصائد
ولأن مزاجك كان لطيفاً ، احتسيت المزيد وانشدت لفاطمة
ولعنت المحافظ ، وكرشه ، وسيارته الليموزين ، ووجهه المنتفخ
ثم غنيت للعذراوات ، للإبط الافريقي ، للسفن البخارية التي كانت تعبر بالمرفأ ، لليونانية التي كانت تُعطيك جسدها وزجاجات ويسكي ، غنيت لرائحة الجسد الاوربي الذي يشبه رائحة البارود
انشدت قصائدك البذيئة ، قذفوا لك زجاجة معتقة وانزلوك بالقرب من منطقتك
وعدت تترنح وتُغني بصوت مرتفع ، تزعج خميس المتزوجين ، وتشعل خيال المُراهقات بالحب العذري ، انفتحت نوافذ من الاحياء الراقية ، عيون فضولية تتأملك من اعلى ، بثياب النوم التي تشتهي الخلع بيد عاشق ثمل
صرخت وانت تنهي قصيدة
" ليس هناك اجمل من الخمر ، سوى ردفيّ فاطمتي "
خرج رجل ملتحي يحمل عصا
شتمك ، و توعدك بالقتل
لأنك طيب ، كنسمة ذلك المساء ، ابتسمت وانت تتجرع من زجاجتك وتبتعد
قلت وانت تمضي
"ايتها الخرطوم المدينة الداعرة ، متى تفرجين رجليكِ لمعشوقك السر"
ومضيت
وحدك نحو كوخك / او ذاكرتك العجوزة
كفاطمتك ، فاطمتك التي اصبحت اماً وربما كادت ان تُصبح جدة
استيقظت المدينة بصورتك التي تزين الصحف المعارضة والحكومية ، قالوا انك حاولت اقتحام منزل المحافظ فاطلقوا عليك رصاصة في راسك ، وقال اخرون ان السلطة لم تعد تحتملك ، وقال بعض الناشطين ان جماعة سلفية متشددة اتهمتك بنشر الرذيلة في المدينة
كتب عشاقك على شاهدك
"المدينة الداعرة لا تفرج رجليها للعشاق ابداً ، بل للمدافع"
محمد ود عزوز
* القصة الفائزه بالمركز الثالث.