عصري فياض - هواجس العروس..

هواجس العروس

بقلم / عصري فياض

يدخل الرجل للحياة مرة ويخرج منها مرة،أما المرأة ،فتدخل الحياة مرتين وتخرج منها مرتين، فعندما تأتي للدنيا يكون دخلوها الاول، وعندما تنتقل من بيت والدها لبيت زوجها يكون الدخول الثاني، وعندما تخرج من بيت أهلها يكون خروجها الاول، وعندما يتوفاها الله يكون خروجها الثاني، ولأن الانسان خلق في كبد، ولأن المرأة تغلب عليها العاطفة والمشاعر والرقة والقلق الدائم، ولأنها مخلوق أضعف من الرجل في مواجهة نواميس الكون، ولأن رسالتها في الدنيا مختلفة إلى حد ما، يكون الدخول الثاني برغم مما يحمله من حلم وأمل ورضا وفرح ممزوجا بكثير من القلق والترقب والخوف من المجهول، ولنتابع تجليات الانتقال من الدخول الاول الى الدخول الثاني...

قالوا عنهن ألطف المخلوقات،وأرق الارواح،والحاجبات عن النار،والمؤنسات الغاليات، وكل وصف إرتبط ببعد جماليّ وأنس ومحبه وحرص ومتابعة، وعمق في العاطفة،والاكثر شفقه في القلب، والكثير الكثير من نوازع الرحمة والمحبة،فيكاد الوالدين أن يغلفوهن بكل وسائل الدفيء والحرص،فتكبر البنت في بيت أهلها،وتكبر معها المشاعر والغرائز التي تهيؤها لدورها الأهم في هذه الحياة وهي الامومة، وحتى تصل الى هذا الدور وتخوض غماره في بناء وتأسيس أسرة، لا بد لها أن تقترن بشريك العمر، وهنا تبدأ الفتاة برسم الاحلام لشريك العمر القادم الذي تتمنى فيه كل أمنيات الكمال،لتربح أكبر قدر من ايام وساعات وسنيّ السعادة،وهذا الرسم الذي تشغل فيه كل مشاعر الاحاسيس العاطفية، غالبا ما يكون مخفيا عن الغير، وقد لا تخرج عنه الا ابتسامة خجولة، او حياء صامت ، يزيد الجمال الانثويّ جمالا على جمال،وعندما يتقدم الخاطب للفتاة، وترى فيه ما يناسب احلامها أو النسبة الاكبر من أحلامها، تعطي إشارة الموافقة،وتكون مراسم الخطبة وعقد القرآن، وهنا تبدأ الفتاة بالتغير، فهي تعيش مرحلة الخطبة الحالمة والتهيوء للإنتقال من مرحلة العزوبية الأقصر لمرحلة الزواج الاكبر، وهذه المرحلة تنتهي بيوم الزفاف، يوم العمر، الفرحة التامة، وبالرغم ما فيه من فرح وسرور،يكون فيه القلق والحزن المخفيان أو الظاهران احيانا، فهي سَتُقْلعْ من مكان كانت فيه مولودة ثم طفلة ثم فتاة يافعة ثم صبية، الى عالم آخر مجهول بالنسبة لها تراه لكنها لم تعيشه،ولم تحس ما فيه من مسؤوليات او عوائق، في بيت أبيها عاشت مع والدها بحب وحنان ومع شقياقتها بود وقرب وألفة، مع اشقائها بحب وتقدير ومعزية لا يمكن تعويضها بأي مخلوق آخر ، فهؤلاء اشقاؤها وشقياتها أجمل هدية من والديها لها، هي الان ستغادرهم، ومهما كانت المسافة بين بيت أبيها وبيت زوجها قريبة، فإن الحياة الجديدة ستجعل جل وقتها لزوجها وبيتها ومستقبلا لاولادها، لذلك سينتابها الحزن العميق على الفراق، كذلك ما يقلق العروس دوما هو المجهول الذي ستعيشه مع شريك العمر واهله، فهل العواطف الجياشة التي غمرتهم أثناء الخطبة ستتواصل، ام أن واقع الحياة وثقلها سيرخي بظلاله على حياتهم لتصبح حياتهم روتين ممل؟؟ هل سيتغير فارس الاحلام ويكشف عن بعض ما خبأه من مزاياه وخصاله؟؟ هل سيبقى حظنا دافئا كما أحست به أم أن شيئا من برودة الحياة ستطاله وتنال معاملته؟؟هي أسئلة كبيرة ومقلقه تدفع العيون لذرف عبراتها،والقلوب الغير مطمئنة تشهق زفاراتها، لكنها تمضي بأقدام طرية مرتجفة إلى الحياة الجديدة لتطبق سنن الحياة، ويكون كل الذي تمر به ذكرى،ستحدث به بناتها وابنائها في المستقبل،وتكثر من الابتسامات إذا كانت سعيدة وموفقه في بيت زوجها، أو بحزن وسخط وغضب إذا كانت حياتها مليئة بالفشل والاحباط وعدم التوفيق....

لكنه الأمل، هو الذي يحدونا لان نسير في الحياة،الامل الذي ندواي فيه هواجس التشاؤم،الأمل الذي ينبت فينا كل يوم يعدنا بأن يكون اليوم الجديد خير من سابقه، تماما يخرج علينا مع إطلالة كل شمس، او حتى مع كل نبضة قلب، ومهما كان القادم محفوفا بالمخاوف، فلا بد ان تعيش العروس لحظات فرحها بكل تفاؤل، وبكل مشاعر وردية، وبكل يقين أن الله تعالى كتب علينا نصيبنا بهذه الدنيا،وأن السعادة بالرضا بما كتب، فهو الارحم بنا من والدينا وأهلنا وكل محبينا، ولا بد أن نبارك للقلوب الطرية التي تدخل الحياة الجديدة ، وننثر في سماء فرحتها تمنيات ورجاء السعادة الدائمة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى