نبيلة غنيم - قلب لا أملكه

أعرف أننى في خريف العمر وهي مازالت في الربيع، هي من بثت بداخلي روح الربيع ، يزداد خريفي ويتوهج ربيعها ، كبرت، تفرعت اهتماماتها بعد أن ذاع صيتها الأدبي، كانت كل أوقاتها أمامي واضحة كالنهار، فصارت غامضة كالليل، تغضبني بشدة اجاباتها المبتورة الموجوزة التى تجود بها في نعومة لا تًصْدِم ، صرتُ التقطتُ أخبارها من الغير، أراود نفسي :​
هل أذهب إليها؟
لا لن أذهب.
بل سأذهب لأتزود من رؤية تألقها على خشبة المسرح ، نظرة واحدة أخيرة ثم أنصرف، بعدها أقطع تلك الحبال التى بدت واهية، قديمة، لا تقوى علي المزيد من الشد. أليس لكل شيء عمر افتراضي؟ هكذا حدثتني نفسي.
انطلق إليها في المساء، أحمل في صدري حزمة من الانفعالات المختلفة، مشاعر متباينة تتصارع داخلي، شوق حارق، حب جارف، إحساس مدمر بتهربها ، غضب مزمجر ، شعور باهت خفي بأنها مازالت علي عهدي باقية، صراع يدعوني للخلاص من إدمانها، خوف مفزع من فقدها.. فهي روحي التى تربطني بالحياة.
عواصف وانفعالات تكاد تقتلع ضلوعي، تهميشها لي يقتلني بعد أن كنت في الصدارة !!
صحيح أنا موجود في محيط الدائرة، لكن على هامشها، إن رأتني هشت لي، وإن غبتُ لا تسأل عني، فدائرتها تتسع، وأنا لم يعد لدي الأسلحة الكافية لأخوض بها الميدان، فقد سلبني الزمن أسلحتي، خاصة وأنا أرى حولها قلوب تهفو لها وتتصارع للفوز بها، لم يعد لدي سوى رصيد قلبي الذى احتكرته وسيطرت عليه للأبد.
سأذهب إليها ولن أقبل إلا بالصدارة، على منصتها وليس مع الجمهور.

التقتني بوجه ندي صبوح ، قدمت لي فنجاناً من القهوة، مع كل رشفة ، كنت أحس أنني أرتشف حبها الطازج من جديد، أتذوق حنانها المتدفق الصافي، كنت أختلس بين حين وآخر النظر لوجهها الملائكي المشرق، الذي تتبخر أمام حلاوته الهموم، التقت العيون، سبحتُ في بحار من الدفء والوجد.. رغم الضجيج المحيط بالمكان، لم تلتقط أذناي إلا موسيقى صوتها الناعم الحالم الذي خفف من توتري، وتسربت عوامل الضيق التى كانت تملأ صدري.
خرجنا بعيداً عن الضجيج، سرنا معا نتبادل أطراف حديث عذب، تمنيت أن يتوقف الزمان عند هذا المشهد، أنا وهي فقط.
قلتُ مازحاً ومعاتباً لها: لن أحادثك بعد اليوم، لن أرد علي هاتفك.
نظرت لي نظرة حانية باسمة ، فهمتُها.
أردفتُ: أنا لا أجدك حينما أحتاجك، ساد الصمت بيننا لحظات، همستْ: هيا ابحث في شرايينك وبين خلاياك وجوانحك، ستجد إجابتي علي اتهاماتك.
كلماتها أطفأت ما بداخلي من حريق وتبخر ما بين ضلوعي من آلام، ولم يملك قلبي الضعيف المقاومة.
حان موعد الفراق، وما إن ارتميت علي مقعد سيارتي حتى عاودني الحنين إليها وهاجمتني الأشواق.
صدمني عقلي بقوله: لقد وقعتَ يا غبي في حب قلب لا تملكه، ولم تتذكر أن الربيع والخريف لا يلتقيان.

تعليقات

راقت لي فالقصة ذات موضوع شيق تمت معالجة الفكرة بشكل سلس وبديع . شكرا أستاذة نبيلة فقد أمتعتنا .
أشكر كاتبنا الكبير محمد مشة لكلماته الراقية الراقية التى اعتبرها وساما من الدرجة الأولى على كتاباتي،
فمنكم نتعلم أستاذنا .. تحياتى وعميق تقديري
 
أعلى