محمد القليني - طَرَدوني مِنَ العَمَلِ وقالوا: اذهَبْ واعمَلْ عِندَ اللهِ.

طَرَدوني مِنَ العَمَلِ
وقالوا: اذهَبْ
واعمَلْ عِندَ اللهِ.
وها أنا يا رَبِّ
مُحمَّد إبراهيم القِلّيني
أربعةٌ وثلاثونَ عامًا
مُتَزَوِّجٌ
وأَعُولُ طِفلَينِ
وأرغَبُ في العَمَلِ لدَيكَ.
أنا أُجيدُ كَثيرًا مِنَ المهاراتِ
كالطَّبخِ مَثَلًا
لذَلِكَ يُمكِنُني أن أعمَلَ لدَيكَ طَبّاخًا
أقطِفُ نَجمَتَينِ وأعجِنُهُما جَيِّدًا
وأُضيفُ إلَيهِما ماءَ سَحابةٍ عَذبةٍ.
ثُمَّ إنَّني صَبورٌ جِدًّا
ويُمكِنُني الِانتِظارُ حتَّى تَطلُعَ الشَّمسُ
وتَقومَ بتَسوِيةِ العَجينِ.
سَأحمِلُ الطَّعامَ بنَفسي
وأطوفُ على الفُقَراءِ الذينَ نامُوا بلا عَشاءٍ
وأضَعُ كثيرًا مِنهُ
على وسائدِهم المُبَقَّعةِ بالخَيباتِ.
قبلَ طَردي كُنتُ أحمِلُ البَضائعَ
وأنقُلُها إلى المَخازِنِ الواسِعةِ
فلماذا لا تُوَظِّفُني لدَيكَ شيّالًا؟
سَوفَ أحمِلُ السُّحُبَ على كَتِفي
وأُظَلِّلُ بها رُؤوسَ الأرامِلِ
اللواتي يَبِعنَ الخُضارَ في شَوارِعِ مَدينَتِنا.
أنا قوِيٌّ يا أللهُ
يُمكِنُني أن أحمِلَ جَبَلًا
لأُثبِّتَ بهِ قلبَ امرأةٍ غَرِقَ وَلَدُها
وهوَ يُحاوِلُ الوُصولَ إلى أحلامِهِ
التي تنتَظِرُهُ على الجانِبِ الآخَرِ مِن البَحرِ.
ثُمَّ إنَّني أُجيدُ التَّفاوُضَ
ولَدَيَّ مَهارةُ عَقدِ الصَّفَقاتِ
مِمّا يؤَهِّلُني لإقناعِ الشَّيطانِ
بأن يُكَفِّرَ عَن ذَنبِهِ ويَسجُدَ لَكَ..
رُبَّما بِهذا يَدخُلُ كُلُّ البَشَرِ الجَنّةَ.
أنا أخافُ النّارَ
مُنذُ أنِ احتَرَقَ قَلبُ أبِي
وهُو يبحَثُ عَن رَغيفٍ لطِفلِهِ الجائعِ..
أطعَمُوني بَعدَها آلافَ الأرغِفةِ
لكِنّي ما زِلتُ جائعًا.
في الأعيادِ
أنفُخُ (البَلالينَ) لطِفلَيَّ
فهل يؤَهِّلِنُي ذلِكَ للعَمَلِ كنافِخِ بوقٍ؟
سأكونُ رَقيقًا جِدًّا
وسأنفُخُ ببُطْءٍ
ولن أُرهِبَ المَوتَى إذ يقومونَ معَ النَّفخِ.
بل رُبَّما أستَبدِلُ النّايَ بالبُوقِ
وأعزِفُ لَهُم ألحانًا مُبهِجةً.
أنا أُجيدُ الكِتابةَ
وأُفَكِّرُ في أن أعمَلَ كمَلاكٍ
يُسَجِّلُ سيِّئاتِ رجُلٍ ما.
اختَر لي رَجُلًا يا رَبِّ
شَريطةَ أن يكونَ غَنِيًّا
سأجلِسُ فَوقَ كَتِفِهِ اليُسرَى
وأذهَبُ مَعَهُ إلى الفَنادِقِ الفاخِرةِ..
سأكتُبُ في سِجِلِّهِ أنَّهُ يُضاجِعُ امرَأةً بَيضاءَ
شَعرُها أسوَدُ
وعَيناها عَسَلِيّتانِ
وجَسَدُها لَيِّنٌ مِثلَ الإسفَنجِ
وتنتظِرُها كَومةٌ مِنَ الأطفالِ الجَوعَى.
أُريدُ أن أذهَبَ مَعَهُ إلى حانةٍ
أنا لا أشرَبُ الخَمرَ يا أللهُ
فنَحنُ -الفُقَراءَ- نَسكَرُ مِن مُشكِلاتِنا
لكنّي أُريدُ أن أعرِفَ كَيفَ يَسكَرُ الأغنياءُ.
كثيرًا ما قَلَّمْتُ أظافِرِي
فلِماذا لا تُجَرِّبُني في تقليمِ أظافِرِ الشَّمسِ؟
لقَد طالَت
إلى دَرَجةِ أنها تَغرِسُها في رُؤوسِ العُمّالِ
الذين يَعمَلونَ في الأماكنِ المكشوفةِ..
العامِلُ مِن هَؤلاءِ
يَعودُ إلى بَيتِهِ بِرَأسٍ مُتَوَرِّمٍ
بَينَما أصحابُ المَصانِعِ
يُحصُونَ أرباحَهُم في المَكاتِبِ المُكَيَّفةِ.
لقَد طَرَدوني يا أللهُ
وها أنا ذا
مُحَمَّد إبراهيم القِلّيني
أربعةٌ وثلاثونَ عامًا
مُتَزَوِّجٌ
وأَعولُ طِفلَينِ
وعاطِلٌ عنِ العَمَلِ
فهل لدَيكَ وَظيفةٌ لي؟

• للشاعر محمد القليني

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى