هند زيتوني - رسالة إلى شاعرٍ ميت

لو كنتُ أستطيعُ الكتابةَ
لكتبتُ رسالةً طويلةً إلى شاعرٍ ميّت
لأسألَهُ أين دفنَ أشجارَ حزنِهِ قبل أن يواري القصيد ؟
الشِّعرُ وشمٌ يحفرُه الإله
على ظهرِكَ بيدِه البيضاء
قبلَ أن تجفَّ محبرةُ الكون
لو كنتُ أجيدُ الشِّعر
لزرعتُ حرفينِ يافعينِ على قبرِه
لتنبتَ أزهارُ شِعرِهِ من جديد
لو كنتُ أجيدُ الشِّعر
لعلَّمتُهُ لفتاةٍ فقيرةٍ
لتشتريَ خبزاً
من الدرجةِ الثالثةِ
وخيمةً من وهم
سمعتُ بأنَّ الشَّعراءَ
لا يموتون إلا مرةً واحدة
حين يشعرونَ بالنُّعاسِ المفاجئِ
وينامون دون أن يرتدوا كلماتِهم المضيئة
يموتُ الشعراء ، حين تجفُّ بحورُ
قصائدِهم تحت شمسِ الحقيقة
وحينَ يقطفونَ وردةَ غيابِهم
من رفاتِ حلم
الشاعرُ الحقيقيُّ
يعيشُ في قلبِ فلَّاحٍ فقير
يصحو معه ليحتسيَ قهوةَ الأرق
يحلُبُ بقرةَ الكلمات
ويسقي الحقلَ بماءِ شِعرِهِ القديم
ثم يغرزُ سيفَ جنونِهِ في خاصرتِه ويطير
الشَّاعرُ الذي رحلَ البارحة
كان يزورُ حديقةَ الشعراءِ في الصباح
ليعلّمَ الفراشاتِ لغةَ الموت
وفي المساء
يعودُ مثقلاً بالحروفِ
والموسيقا والوجوهِ المتعبة
يدخلُ إلى قبرِه الوثير
ليتمدَّدَ بهدوءٍ وطمأنينة
لم تنمُ أشجارُ فرحي كثيراً
لأنَّ السَّماءَ كانت متلبِّدةً بالحزنِ والدُّخان
بذرةُ الحبِّ التي نمتْ بشغفٍ في قلبي
زرعَها حبيبٌ قديمٌ.... واختفى
يمرُّ عابرُ سعيرٍ
ينشدُ لسكَّانِ الفردوس :
اليوم فقط
تغطِّيني آثامي
ولا أبحثُ عن قصائدَ مسروقةٍ
لتحميَني من الصقيع
يقولُ قبلَ أن يغادر،
ليتني كنتُ شاعراً
لأبقى حيَّاً إلى الأبد .

هند زيتوني

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى