د. سيد شعبان - رغيف من السماء

تعبت من السير في ممرات المكان الضيقة، تمزقت ثيابي حتى تعبت منها الرقع، حفظت قدمي الحواري، عرفت البيوت بأسماء النساء المتخفيات في حنايا الحجرات المغلفة بأسرار ليالي العجز ولربما كانت تتثاءب جراء فوضى الأسرة، صرت مثل رغيف الشحاذ يأتي من كل باب وتهبه أي يد، وتسود به وجوه السائلين، ضربني الوجع وهزمني الشقاء، ارتميت على أقرب كومة وجدتها، سبقني إليها المكدودون؛ من لفظتهم الحياة إلى الهامش، فنحن نحترم من يلمع حذاؤه، ومن تكون له بين الناس مقاعد عليها يتكئون!
ثمة اتجاه للرؤية غام عني طوال هذا العمر الكسيح؛ أن أرفع ناظري إلى أبواب السماء، ساعتها ربما تتنزل المائدة الشهية من السماء، زمن المعجزات لم ينته بعد، فالجوعى تهفو أمعاؤهم لطبق حساء ساخن والبرد يرتجف من هول وقعه الصغار، تخوم وأقبية، قيود وكراس، رابطات عنق ذات ألوان، عربات مكيفة، نساء تتهدل شهورهن فأشبهن عوارف الخيل هذه هي أثقال الأرض التي ندرج عليها.
في السماء عالم آخر تقنع به نفوس الحيارى، تمني البطون بألف حلم؛ كفاء رغيف الخبز الضامر، تنزل عليهم الرحمة مائدة، لكن المسيح مرفوع من الأرض، خلت بوابة السماء من يد الطارق، تحوم الغربان كل ناحية، تشتعل الفتن بحور شر تتلاطم دماء.
ندر أن أضع الماء على جسدي؛ ماتت الرغبة التي كبلتني إثما، أعايش الخوف من الأشياء والألقاب، ترهلت كثيرا جراء ترددها في محافل تغبش فيها عناكب الظلام، ذوي الياقات الحمراء، من يضعون فوق خواصرهم أدوات الموت السريع.
تراود الرغبة الضالة جسدي، لكنها أعرضت عني، تباهت بأنوثة مفرطة، الجنيات نادرة هذه الأيام؛ المساحيق تثير السخرية؛ تعطي مسحة فتنة، العقاقير تهب الأثداء وجودا.
ماذا لو رزقت بدل المن والسلوى واحدة ذات جمال؟
في اليوم الآخر تتوج الحوريات ملكات، أيهبنى الله واحدة كفاء حرمان أصاب جسدي بالنحول ورغبتي بالموات؟!
لست المسيح تطارده المجدلية، يقال :أحبته، شفرة دافنشي تفضح أسرارها المكدسة، احتمت به، نادى في الحواريين: الطاهر من الخطيئة يرميها بحجر!
أمسكت بطرف ثوبه، نظر إلى السماء، ومن ثم دعا بالمائدة، أيحسن بي وقد ارتحلت في ممرات السماء- أعانق الحور- أن أنظر من تمشي في الأسواق؟
رغيف يسد لهب معدة خاوية أم جمال أنثي تشبع رغبة مؤجلة؟
أيا كانت الإجابة فأنا أعيش في فجوة تتناهى وقد خلت حياتي من قائمة الرغبات، إنه موات يلاحقني، يجمع بقاياه ومن ثم يتربص بالعابر في ذلك التيه الذي يفضي إلى نهاية غير متوقعة.
يراغمني أشتاتا متنافرة من مفردات تعبت من الدوران في ثنايا الأسطر، لن يمضي أحد دون أن يرتشف من رضاب المجدلية حتى ولو كان المسيح، هذه كلمة تشرع لألف سبة ومائة دليل اتهام يقود إلى ذلك القبو المنعزل في باطن بحر مالح.
تناهى إلى عقلي خاطر مجلل بالخرف؛ ستوزع النساء عدلا بلا سرف، لكل واحد أربع ومن تأبى تقام لخصيته مراسيم العزاء.
غفوت عند بوابة المدينة التائهة من خارطة مكان مبعثر، استرحت لهذا الوهم؛ فمن النسيان دواء لمن يتعاطون الدخان الأزرق مائدة من السماء!
أشتهي المجدلية؛ ليالي حمراء في محفل قوم يطاردون الطهر؛ حاشاك يامريم وأنت تحملين المسيح طاهرة!

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى