عدت- مثل ذلك الغريب الذي تناثرت أشلاؤه في بلاد الله، يشعل من القهر ذاته، علمته أمه أن يمسك بمفتاح بيته، يعطره كل آونة بوهج شريانه النازف، عنده ألف سبب للعودة، أجاب نداء الأرض- لكنني لست - كما قلت لكم- مثله.
أعاني من داء العته، تختلط لدي الأسماء بالمسميات، بل أضع للنساء أسماء الرجال، حتى خلتهم نساء ذوات اثداء يضربها الريح، كل واحد يتغنج في مشبته، الصغار يهزأون بي، تنزل من فمي الريالة، يقدفني هؤلاء بالحجارة، يعدون خلفي من شارع إلى زقاق، يصيحون ورائي أنني التائه الشريد، هذا سر وجب البوح به فأنا كما هو مدون في صحف الصحة غير سوي،
مثقوب الذاكرة.
الطريق إلى مدخل المدينة به شارات وعلامات لست أعرفها، يبدو أن الناس مصابة بالتشوش فلابد لهم من دليل من أسهم وكلمات معدنية توصلهم إلى بيوتهم، أما أنا فلا أجيد قراءة كل هذه الرموز، إنها أحاج تحتاج بارعا يفك شفرتها، في الماضي على ما أتذكر كانت تتراقص المفردات داخل عقلي، حتى أن أمي أعاذتني بالله من حسد النساء في حارة السوس، أتكلم كتيرا بل كنت أشدو مثل البلبل، لكن عين امراة أصابتني، أصابني الخرس، تاهت الحروف، صرت أحرك يدي عوض لساني، انعزلت في بيتنا.
طافت بي أمي عيادات الأطباء، أزارتني مقامات الأولياء، ثم بعد غادرت الدنيا ولما ترى لي لسانا مثل كل الأطفال، اكتفت بأن وضعت شارة حمراء في رقبتي، حبلا من قماش تتدلى منه كف مخضبة بالحناء؛ تميمة وما أدري لم ثقبت أذني ووضعت فيها خيطا، على كتفي وشم، وبين جبهتي غبش، تنتابني الهلاوس كل آونة: الجن لا يتركون الصغار وحدهم، يناوشونهم، يعبثون في عقولهم، بل يراقصون الأبواب والنوافذ، ولأنني مصاب بالخرس أعاني العته فهم يسردون أحاديثهم، يتسامرون، لكنهم يحبون المزاح، لا يفعلون غير ما يحبون، لست ممن يشون بأصحابهم، تعلقت بي منهم واحدة كانت جميلة، مثل ضوء القمر تختال، أمدتني بالقلم، وهبتني الورق الأبيض، كشفت لي باب البيت الذي كنت أجهله، دفعتني في لهفة إلى أن أغامر بالعودة، تمنيت أن أظل معها؛ لقد أحببتها، غادرت عالمي باكية، تركت على باب بيتي كلمة، رسمت لوحة جميلة، زهرة الأقحوان البرية، غزالة وحملا وديعا، أعلمتني أن البيت مصون من شر حاسد إذا حسد.
اشعلت أعواد البخور محاطة بالشبة وقطع أخرى من الفاسوخة؛ لا أدري اسمها الحقيقي، لقد أكلت الفوضى التى جاءتنا بها السوداء كوندي، لقد كانت مثل خيال المآته بوجه إفريقي شديد السواد، البعض من الكذابين عندنا يرونها هيفاء، على كل يسيل لعابهم لجمال كوندي!
أمسكت بي أمى، نذرت الفول النابت لأم هاشم، فهي صاحبة ورد وتؤمن بببركة أولياء الله الصالحين، في غد سأركب قطار الفجر وأوفي بالنذر، أعلم أن النوم لن يقرب جفني؛ فغدا سأسترد هويتي محوطا بآل البيت، العمامة خضراء، والمقام روضة، والشوق مداد.
أقدام غليظة متسربلة في ظلمة الليل، الطرقات مزدحمة، لقد جاءوا بغراب الشؤم يتربصون بكل من يحاول العبور إلى الجانب الأيمن، ضربني الخوف، أخفوني في كن الدجاج، ابن عرس يحوم حولي.
أعاني من داء العته، تختلط لدي الأسماء بالمسميات، بل أضع للنساء أسماء الرجال، حتى خلتهم نساء ذوات اثداء يضربها الريح، كل واحد يتغنج في مشبته، الصغار يهزأون بي، تنزل من فمي الريالة، يقدفني هؤلاء بالحجارة، يعدون خلفي من شارع إلى زقاق، يصيحون ورائي أنني التائه الشريد، هذا سر وجب البوح به فأنا كما هو مدون في صحف الصحة غير سوي،
مثقوب الذاكرة.
الطريق إلى مدخل المدينة به شارات وعلامات لست أعرفها، يبدو أن الناس مصابة بالتشوش فلابد لهم من دليل من أسهم وكلمات معدنية توصلهم إلى بيوتهم، أما أنا فلا أجيد قراءة كل هذه الرموز، إنها أحاج تحتاج بارعا يفك شفرتها، في الماضي على ما أتذكر كانت تتراقص المفردات داخل عقلي، حتى أن أمي أعاذتني بالله من حسد النساء في حارة السوس، أتكلم كتيرا بل كنت أشدو مثل البلبل، لكن عين امراة أصابتني، أصابني الخرس، تاهت الحروف، صرت أحرك يدي عوض لساني، انعزلت في بيتنا.
طافت بي أمي عيادات الأطباء، أزارتني مقامات الأولياء، ثم بعد غادرت الدنيا ولما ترى لي لسانا مثل كل الأطفال، اكتفت بأن وضعت شارة حمراء في رقبتي، حبلا من قماش تتدلى منه كف مخضبة بالحناء؛ تميمة وما أدري لم ثقبت أذني ووضعت فيها خيطا، على كتفي وشم، وبين جبهتي غبش، تنتابني الهلاوس كل آونة: الجن لا يتركون الصغار وحدهم، يناوشونهم، يعبثون في عقولهم، بل يراقصون الأبواب والنوافذ، ولأنني مصاب بالخرس أعاني العته فهم يسردون أحاديثهم، يتسامرون، لكنهم يحبون المزاح، لا يفعلون غير ما يحبون، لست ممن يشون بأصحابهم، تعلقت بي منهم واحدة كانت جميلة، مثل ضوء القمر تختال، أمدتني بالقلم، وهبتني الورق الأبيض، كشفت لي باب البيت الذي كنت أجهله، دفعتني في لهفة إلى أن أغامر بالعودة، تمنيت أن أظل معها؛ لقد أحببتها، غادرت عالمي باكية، تركت على باب بيتي كلمة، رسمت لوحة جميلة، زهرة الأقحوان البرية، غزالة وحملا وديعا، أعلمتني أن البيت مصون من شر حاسد إذا حسد.
اشعلت أعواد البخور محاطة بالشبة وقطع أخرى من الفاسوخة؛ لا أدري اسمها الحقيقي، لقد أكلت الفوضى التى جاءتنا بها السوداء كوندي، لقد كانت مثل خيال المآته بوجه إفريقي شديد السواد، البعض من الكذابين عندنا يرونها هيفاء، على كل يسيل لعابهم لجمال كوندي!
أمسكت بي أمى، نذرت الفول النابت لأم هاشم، فهي صاحبة ورد وتؤمن بببركة أولياء الله الصالحين، في غد سأركب قطار الفجر وأوفي بالنذر، أعلم أن النوم لن يقرب جفني؛ فغدا سأسترد هويتي محوطا بآل البيت، العمامة خضراء، والمقام روضة، والشوق مداد.
أقدام غليظة متسربلة في ظلمة الليل، الطرقات مزدحمة، لقد جاءوا بغراب الشؤم يتربصون بكل من يحاول العبور إلى الجانب الأيمن، ضربني الخوف، أخفوني في كن الدجاج، ابن عرس يحوم حولي.