د. سيد شعبان - العليق ياولدي!

اليوم نحن على موعد مع جز الحشائش، لقد غفلنا عنها طوال الشتاء؛ ظننا أن البرد سيقضي عليها، ثمة جذور منها ما تزال تتخفى تحت أوراق الشجر، إنها عوالق تتحين بعض دفء لتعلو فوق السيقان، لا نفع لها مثل هؤلاء الطغام الذين سودوا وجه الوطن، ليتهم اندثروا مع تهاويم السحر الأسود الذي انتشر في كل النواحي، لقد أطلقوا أعواد البخور الشيطانية، استحضروا كل الترهات، استجلبوا العرافين، حاولوا جاهدين أن يسدوا تلك الثغرة، بل تمنوا له أن يجيد امتطاء ظهر الجواد، لكنه ويا للعجز لم يتمالك نفسه،كان يعاني من رجرجة ،لم يحسن يوما أن يمسك بالعنان، بالفعل كلما رأيته خلته قد جيىء به قسرا، ليس له هذا، الكلمات حين أدخلها عقلي أعجز، لا بل أنا العيي، هو نابهة ، يحسن كل شيء بل هو مرود في حلبة يدور معها كيفما اتفق له، الأمنيات الحالمة لا تطهو اللحم ولا تصنع ثريدا، السنوات العجاف، الخيول الضامرات كأنما هي جعل فرض علينا أن نقامر بها في متاهة العجز، هيهات يحسن الأصم بالحداء!
أبي امسك بالمعول استحثني أن آتي على جذر العليق،كلما قطعت واحدا وجدت حبائله تمتد مثل ورم سرطاني، كنت دائما أتخوف أن يغافلنا يوم المطر الشديد،بالفعل حدث هذا، الأوراق الخضراء حجبت عنها شمس الحياة وها نحن نشتكي البرودة ونعاني الموات،حين كنت أعبر كوبري عبد ، ذلك المعبر الخرساني، وجدت ترعة النوبارية أصابها الجفاف، تذكرت يوم أن جاء زميل لنا من الحج الأكبر، فوق الحطب أعد قصعة من لحم الإبل، آه تذكرت هو من أولاد علي سمالوسي ويفتخر له مايشاء من ذلك ، فلقد ربح الحج واغتنمنا بعض قطع من لحم، لم تعد النار تعطي الجمر، ولا حتى شربنا غبوقا، عادت الأحجار بيضاء لا تسر الجوعى، فوق كل ذلك غامت عيني وراء تلك المتاهة التى ضربت أوتاد الخيمة، إنه يلهو بل يذرف أحيانا دموع التماسيح، انتشى يوم جف النبع ، من بعيد رأيت حرفوشا يقف عند نهاية المعبر، يبدو أنه مصاب بارتعاشة في أطرافه، يتسول طلب بعض مال، هيهات يجد مع مثقوب الحافظة ما يشتهي، استدرت وقد استجمعت شتات أمري، حرفوش وعبد، فيما مضى كان يحلو الشتاء، والآن النفس نهب، والصدر مرجل!
عاودت السير ناحية الماضي، أزمعت الرحيل إليه، لكن بعض العوالق تمسك بي، فالعليق وهو واحدها ، آه ظنت أنني تخلصت منه، إنه يعلم اللحظة التي يداهم فيها الحديقة، أبي فعل بنا هذا، ليته كان يمتلك معولا حادا، رجوته أن يدع طيبته، لقد أمسك بي وقال: إن العليق يعلم الكسول صنعته!
تركته لتقاوموا ، وهل تطيب الحياة لمن أدمنوا الترهل؟
حكيم أيها الوالد، لكننا ضعفاء عالة نتكفف الناس، هكذا أجبته، لا عيب فيكم غير التعجل، سأمسك في العام القادم المعول حتى أنهي ذلك الخطر.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى