علجية عيش - جُرْحٌ يَنْزِفُ..

الكتابة حبٌ و أنا قتلت حبّي..، كانت آخر عبارة كتبتها قبل ان تضع حدا لحياتها، اختتمت بها رسالتها، قالت و هي تتجرع كؤوس الشقاء: في اعتقادي أن الكتابة حبٌّ ، فأنا أرى الكتاب كما يرى العاشق معشوقه، في موعد غرامي، أحتضنه كما تحتضن الأم رضيعها أو كما يحتضن الحبيب حبيبته، لكن في لحظة انهيار قتلت بنفسي هذا الحب، عندما مزقت بعض كتبي، كان شبه انتحار، لأن الكتاب كان رفيقها، و كانت الكتابة بالنسبة لها المتنفس الوحيد، صعب جدا أن تمزق كتبك بيديك، بسبب ثورة شخص يعيش معك، ينغص عليك حياتك كلما رآك تحمل كتابا أو تجلس بين الحاسوب لتكتب، يحدث هذا معها يوميا كما تقول، و ربما حدث مع غيرها ، كانت تنهار كل لحظة.. تكاد أنفاسها تنقطع و هي تسمع تلك الكلمات المسمومة و شرارة الغضب تنبعث من عيني ذلك الشخص، الذي هو اقرب الناس إليها ( منحوسة يوم ولدت غادر أبوك البيت.. ماربحتش عليك.. كن غير تموتي)..

تردد كلمات تشبه الإحتضار..: نعم أنا قتلت حبي بيدي و أنا أمزق تلك الصفحات كالمجنون، الذي فقد وعيه في لحظة رافقها انهيار عصبي، يفقد فيها الإنسان التفكير في ما يحدث بعد، الحل موجود، لكنه لا يملك سلطة القرار ، و لو خطى خطوة واحدة سيكون هو الملام لأنه تجاوز حدوده مع من يكبرونه سنا، في مجتمع لا يعطي الحق للصغير، و يرى الكبير شبه اله ( ربٍّ) يفعل ما يريد، يتغطرس و يمارس جبروته، ما تزال تذكر ذلك اليوم الذي كتبتْ فيه مقالا عن الأسرة المتعصبة، و وضعت لمقالها عنوان: "في بيتنا فرعون"، رسمتْ فيه كيف تعامل الأسرة ابناءها بقساوة و تتحكم في شخصيتهم و تفرض عليهم كيف يرسمون طريق مستقبلهم، الأسرة التي تتحكم في كل شيئ و تفرض عليك كل شيئ ، تمارس سلطتها معك حتى في ماذا تأكل أو اللون الذي تختاره للباسك، ، ثم تراجعتْ و مزقت الورقة، لأنه لم تعد تملك الحرية فيما تفعل و ماذا تقرر، فقدت قدرتها في ان تفكر و تقرر كإنسان، ليس له الحق في أن يعارض و عليه الطاعة فقط حتى لو كان ذلك على حساب شخصيته.

نعم الكتابة حُبٌّ ، هكذا كانت تراها ، و الكتاب يحمل أسرار ا ربما تشبه أسرارنا، لأن القصص تتشابه ، فتتكرر كلما تكررت الأحداث، هكذا تقول صاحبة الرسالة، ربما نوافقها لو قلنا بأنه في كل بيت قصة، بل قصص و حكايات، و كل حكاية تختلف عن الأخرى، و المؤلمة منها أكثر من المفرحة، كنت أتألم و أنا اقرأ حروفها و كأني أسمع نبضها و هي تقول: هل جربتَ يوما و إن نمت على صراخ من يكبرك، و هو يوبخك لأتفه الأسباب، هل جرّبت و أن نمت يوما و أنت تبلل وسادتك بالدموع، تستيقظ على يوم يجعلك تحن إلى اليوم الذي سبقه، و تدرك أن الذي فات كان أفضل، تستقبل يومك على كل ماهو روتيني، تجد نفسك وحيدا لا مؤنس لك، يتحطم قلبك و تحزن ، و كأنك تعيش في نفق ضيق و مظلم ، و لا تستطيع الخروج منه إلا إذا حدثت معجزة ( الموت) و تجدك تبحث عن شخص يتعاطف مع معاناتك، أو أنك تدعو الموت لكي يستضيفك عنده، و كم هو صعب و مؤلم حين لا تجد من يفهمك و يشعر بمعاناتك، فيكون الموت الملاذ الوحيد لك، غادرتِ الحياة و على شفتيها ابتسامة لأنها هناك سوف تجد الراحة الأبدية،هكذا قالت صاحبة الرسالة التي وقعت حروفها باسم الجرح النازف.

علجية عيش

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى