جمعة شنب - احتفال

اعتادَ أهالي مدينة الزيزفون تلقّي تعليماتٍ مفصّلةٍ من رئيس الشرطة، عن فعاليّات المناسبات الوطنيّة والقوميّة. كانت التعليماتُ تُوزَّعُ عليهم قبل أسبوعين من كلّ مناسبة، وبالإمكان القولُ: إنّه لم يحدث أن مرّ أسبوعان، دون مناسبات من هذا القبيل، على مدار السّنة.
ومع مرور السنين، خالَ الناسُ أنّهم قد أحاطوا علمًا بالمطلوبِ منهم، فراحوا يعملون على زراعة الورود، والاشتغال على نسج الأقمشة الزّاهية، وتطريز الثياب، وبرعوا في صناعة السجّاد، والخيام الصفراء والزرقاء، كما تميّزوا بتنسيق البالونات وحقنها بالهيليوم، لتطوّف في سماء مدينتِهم العامرة..
هذه المرّة اتّسمت تعليمات رئيس الشرطة بكثيرٍ من الصرامة: على أهالي مدينة الزيزفون الالتحاقُ بقاعة المدينة الرئيسة حسب القوائم المرفقة، لحضور دورةٍ تدريبيةٍ على النُّباح، لمناسبة تعافي مولانا من الزُّكام. وذيّلت بتوقيع المحافظ ومدير المراسم ورئيسِ الوزراء، للمرّة الأولى، فاستشعر الناس أهميّةَ الحدث، والتحقوا بالدورة التدريبيّة كلٌّ حسب ترتيبه الأبجديّ، وكان حُدِّد له موقعُه من القاعة، وزملاؤُه، وساعاتُ تدرّبِه.
لقد تفنّن النّاسُ في النُّباحِ، وراحوا يتلاعبون بطبقاتهم الصوتيّة، وتفانوا بذلك في حسٍّ وطنيٍّ عالٍ! وإنّه ليُخيّل لمارٍّ بالقاعة أنّه إنّما يمرُّ بمهرجانِ كلابٍ مَهيب.
وعندَ انتهاء الدورة التدريبيّة، وُزِّعت على الخرّيجين شهاداتُ تقدير، مرفقٌ معها ملحقٌ يؤكّد على موعد الاصطفاف في طابور المهرجان، عند الساعة الخامسةِ وخمسٍ وأربعين دقيقةً من فجرِ الأربعاء، لإجراء التمارينِ اللازمة، قبل حضور (الكبير) عند التاسعة من صباح اليوم نفسه ، على أن يأتوا حفاةً عراةً.
وفي طريقِ العودةِ إلى بيوتهم، راحوا ينبحون، وقام بعضهم بالتّعرّي والرقص، استباقًا للعرضِ واحتفاءً بشفاء مولاه، في سعادةٍ غامرة..
يوم الأربعاءِ، حضروا جميعًا عند الموعد المحدّد، ووقف كلٌّ منهم في الدائرة التي رُسِمت له بالطبشور الأحمر، واجتازوا ساعتَي التمرين بنجاح، ومُنحوا ربعَ ساعة لشرب الزنجبيل، ثمّ انتظموا جميعًا، ووقفوا نابحين لساعةٍ كاملةٍ قبل وصول مولاهم..
وصل المَهيب معافى بسّامًا، رافِلًا بالعزّ،ِ راضيًا مرْضيًّا، فاستُقبلَ بنباحٍ جماعيٍّ، شارك فيه كلُّ الوزراءِ ، وبدأت الفعاليّات..
وعندَ انتهاءِ العرضِ الجماعيّ، جاءَ أمر الانصراف للناس، لكنّ أحدًا منهم لم يتحرّكْ، وظلّوا في ميدانِ المدينةِ الواسعِ ينبحون.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى