شعبان عبدالكريم - زوج حمام

لم نعد أطفالاً، فكما نظرت إليها بطريقة مختلفة وهي تُطعم الحمام فوق السطح، هي أيضاً ابتسمت لي، ابتسامة جديدة ذات مغزى.
رحت أحتضن وجهها المرسوم على وسادتي كل ليلة، بحماس شديد رحت أحسب حسبتي:
ثلاث سنوات ثانوي، وأربع كلية، وأربع أو خمس مثلهن شغل بعدها أقدر أتزوج.
كل الحسابات تغيرت، كنت في عامي الجامعي الأول حين رأيتها في فستانها الأبيض
أنا الآن ومعي واحد وثلاثون عاما نتكوم على "دكة" في فضاء حوش بيتنا الواسع المكشوف نقلب الأمر على جميع جوانبه.
بقى ثمن فستان الفرح وأجرة "الكوافير " وبقى على الفرح ثلاثون ساعة ربما!
للحظات رحت أقلب بصري بين زرقة السماء الصافية ، وزوج حمام يمارس الحب على السطح ، في نفس المكان الذى كانت ترفرف فيه روحي حولها.
فقط هي حبات من القمح أو الشعير في فم ذكر الحمام ذي اللون الأسود الممزوج بالأبيض يفرغهم في فم أنثاه خالصة البياض ،لا شقة ، لا أثاث ، لا فستان فرح ،لا فرقة ، ولا حتى "دي جي"
أغمضت عينيّ وتنهدت ، ورأيتني معها من جديد إلفين نتناغى.
لم أدر ما الذى حدث ، فالحمامة الوديعة قررت أن تقلد غيرها، لا أدرى كيف نتفت ريشها الابيض فجأة، واشترطت على إلفها ان يشتري لها فستاناً جديداً .
حين رآها في هيئتها الجديدة ولى هارباً إلى بيتنا، يبحث عن أخرى.
لكن حمامنا أيضا كان منتوف الريش، وإذا بأمي تمسك به وفى يدها سكينة .
قمت مفزوعا أجرى نحو أمي أصيح :
- هو معذور يا أمي ، الحق عليها ، هي ..اللي.. هي.. هه
- مالك يا ولدى، اسم الله عليك؟
- انت.. أنا.. هو .أنا كنت أحلم ولا أيه؟
- خالتك سعديه جارتنا جابت لك حمامتين
كانت امي تشرع في ذبح زوج حمام وبجوارها حلة فيها حمام مذبوح و"منتوف" الريش, قلت لها وأنا أعود لأرمى جسدي علي الدكة: حمامة واحدة كانت تكفى!
قالت في تعجب : والله ما أنا عارفة جرى لك إيه؟!
في صباح اليوم التالي كان حمام خالتي سعدية، على السفرة كما هو، والفستان الابيض ملقى على الارض ، وحمامة أخرى منتوف ريشها على السرير تبكى بصوت مكتوم، وانا اراقب من الشرفة زوج الحمام نفسه.


شعبان عبدالكريم



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى