د. عبدالله عوبل منذوق - لنوقف بارانويا الزعماء

بارانويا (paranoia) مصطلح في علم النفس، يعني جنون العظمة. وهو المرض الذي يسيطر على معظم القادة السياسيين، والمدراء. وتعاني شعوبنا العربية من قادة استوطنت فيهم البرانويا
نظرا لطول بقائهم في كراسي الحكم او في الوظائف العليا في الدولة. تقول الدراسات ان المسؤول اذا قضي فترة تزيد عن اربع سنوات في منصبه، يتكون لديه تصور ان لا احد يستطيع ان يكون أفضل منه، وكأن هذه الوظيفة خلقت له وحده. كما ان البطانات واصحاب المصالح يكونون دائرة حوله، ويمتدحون كل كلمة يقولها او أمر يصدره، ويصورون له قدرات خارقة، حتى إذا صدقها وقع فريسة للبرانويا.

هم ليسوا عظماء
""""""""""""""""""""
القادة السياسيون ليسوا فلاسفة عظماء، ولا هم علماء أجتماع أو أقتصاد، حتى وإن كانوا كذلك لايعني ان يصبح كل كلام يصدر عنهم، وكانه الحقيقة الساطعة. السياسة ليست نظرية، انها عملية، ولا توجد كليات تعلمك كيف تكون رئيسا او وزيرا. الأمر يتعلق بخبراتك العملية ومعرفة تفاصيل المجتمع ومشكلاته، لكي يكون لديك تصور للحل. كما انهم ليسوا الولي الفقيه ولا مرجعيات دينية لهم اتباع ينفذون مايصدر عنهم دون اعتراض، وكأنه أمر إلهي.

الناس ليسوا قطعانا
"""""""""""""""""""
الناس هم اعلى مخلوقات الله، انهم يفكرون ويعملون، وهم طبقات عليا ووسطى ودنيا، وشرائح وفئات، فهم المثقفون والفنانون، والعلماء والمفكرون، والمخترعون، والمهندسون والمهنيون، والتقنيون، والتجار، والفلاحون والمرأة والشباب. ولايمكن إدارة كل هذا التنوع الأ بعقل مفتوح، وتواضع جم، وبالنموذج الأفضل، واحترام عقولهم. وعندما يتمادى الحكام في معاملة الشعب وكانه قاصر، ويكون هو وصيا عليه، أو عندما يسرف في وأد المبادرات الإجتماعية ويصادر الحريات، ويطلق يد النظام الأمني لهتك الاعراض والتنكيل بالناس، فانه يهين الفطرة التي خلق الله عليها، ويهين الانسانية المكرمة، وتسقط شرعيته ويصبح مغتصبا للحكم. ذلك ان شرط الشرعية رضاء الناس، وقدرة النظام على تلبية احتياجاتهم اليومية.
لذلك لستم قطعان تدينون بالولاء لسياسيين في أغلب الاحيان صنعتهم ظروف ملتبسة، وقد يكونون أقل منكم ذكاءا وخبرة. ولذلك لاتأخذوا كل مايقوله القائد السياسي وكأنه قرآن منزل. واحيانا قد تكون بعض التصريحات أستجابة لضغوط من أطراف أخرى، فأنت عندما ترفض احيانا يكون الرفض دافعا لمقاومة تلك الضغوط، على العكس حين تتدفق المجاملات والمديح يدفعه ذلك للأستمرار في الطريق الخطأ
انتم من يقود السياسيين الى الاصلاح بالنقد، والاعتراض وقول لا عندما يجب ان تقال، ونعم حين يجب ان تقال، الطاعة العمياء هي التي تجعل منا قطعانا بشرية تسير حسب ارادة راعي القطيع،، وطاعة ولي الأمر لاتعني العبودية، عندما يختصر ولي الأمر في القائد السياسي أو الزعيم الذي تدفعة قابلية الاستبداد حسب الكواكبي الى ان يصدق نفسه انه عبقري زمانه. لاتصنعوا اصناما هم أقل منكم علما وخبره، اعطوهم حجمهم الطبيعي، لكي لايتمادوا في اذلالنا وانتهاك حقوقنا، أجعلوهم يحترمونكم ولا يكبروا عليكم.

نموذج لحالة البرانويا
""""""""""""""""""
القادة السياسيون ليست لديهم مهارات خارقة، ولا قدرات فوق عادية، هي هالة هلامية احاطهم بها المنافقون، وتفننت البطانة والمنتفعين في توجيه المدائح والصفات، حتى يصدقها وينفخ ريشه...ما أن تقشروا هذا الهلام حتى تجدوه شخصا عاديا جدا، منبهرا بأكليل الغار الذي وضعه السفهاء حول عنقه.
يروي دكتور حامد خليل رحمه الله قصة طريفة.
قال، قاد ضابط صغير في احدى دول أفريقيا الانقلاب، فأصبح رئيسا، وكانت توجه له دعوات لزيارة الجامعة، فيرفضها، كان خائفا، كيف سيواجه اساتذة الجامعات المفكرون والباحثون، وهو الذي لم يدخل يوما طالبا الى الحرم الجامعي، بل لم يكمل حتى الثانوية.
لكن مستشاره اشار اليه ان يزور الجامعة، وان يتحدث كرئيس بيده أمور الدولة كلها، بضع دقائق
وسيجد ترحيبا من قبل الاساتذة.
ذهب الرئيس وتحدث بكلمات بسيطة أمام الهيئة التعليمية، وعندما انهى حديثة، كان التصفيق حارا، وبدا الدكاترة يتحدثون بفخر عن هذا الخطاب التاريخي الذي يجب ان يوثق في ارشيف الجامعة، وان تدرس مقتطفات منه للطلاب، وكان حضوره شرفا كبيرا للجامعة...الخ
عاد الرئيس الى مكتبه محتارا، هل يصدق ما سمع، ام انه فعلا قائدا عظيما ولم يدرك عبقريته، حتى سمعها من النخبة الرائدة، التي لايمكن ان تكذب او تنافق.
أذن فقد اصبحت كلماته عنوانا لمرحلة جديدة في تاريخ الجامعة، فهم يقتدون بتوجيهاته العظيمة.
هكذا زرعت البارانويا في الرجل المسكين، الذي لم يعد احد في البلاد غيره قادر على القيادة سواه، وان جرى له شيء لا قدر الله ستدخل البلد في مصيبة.
قيل اجتمع الرئيس السابق حسني مبارك في لندن مع مجموعة من المهاجرين المصريين ورجال الأعمال، فسأله احدهم لماذا ياريس ماتعينوا نائبا لكم، فرد الرئيس هاتوا لي اثنين قلبهم على البلد وانا أعين واحد واحد منهم،
فطرح له اسم شخصية مهمة، فرد الرئيس ماتعينه انت.




تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى