رسائل الأدباء أربع رسائل من نزار قباني الى ياسين رفاعية

عزيزي ياسين،
تأخرت قليلاً في الكتابة إليك. والسبب هو سفري إلى المغرب العربي بدعوة من اتحاد كتّاب المغرب لإلقاء محاضرات وإحياء أمسيات شعرية. وقد عدت أمس من المغرب بعد قضاء عشرة أيام فيه كانت شيئاً لم يعرفه تاريخي... ولا تاريخ الشعر، فقد استقبلني الجمهور المغربي استقبالاً كان فوق أحلامي وتصوري، ألقيت قصائدي في جامعات الرباط وفاس وتطوان وفي مراكش وطنجة وفي القرى المتناثرة على جبال الأطلسي... وأوصلني الشعر حتى إلى مناطق البربر...
لا أستطيع أن أصف لك ما جرى. كل ما أستطيع أن أقوله لك أن البوليس قد حماني أكثر من مرة من ضغط الناس على صدري... وفي مقر اتحاد الكتّاب في الرباط... كان الناس يجلسون على أشجار الحديقة... كالعصافير الليلية...
ثبت لي أن الشعر هو تلك التعويذة المسحورة... التي تحوّل تراب الأرض إلى ذهب... وتذيب الحدود والصخور بين بلدان العالم العربي...
الشعر بخير... وبلاد المغرب العربي بخير... وقلب الإنسان العربي في كل مكان... هو بخير أيضاً.
وصلتني (مجلة الأحد) التي نشر فيها مقالي، وقد أعجبني إخراجاً وتبويباً وتقديماً. فلك ألف شكر وللصديق الحبيب رياض أطيب مشاعر المودة والتقدير... والشكر على ما يظهره في كل المناسبات من نبل وشهامة.
قرأت أيضاً رد نقولا قربان على المقال. وقد أحسست أن (الأحد) تآمرت عليه... بذكاء... حين نشرت قصيدته المنثورة... إلى جانب الرد... وهكذا انتحر قربان بخنجر كلماته هو...
شعرت أن (الدولاب) بدأ يدور معك... وان مرحلة اليأس قد تبخرت من رأسك تماماً... كم أنا سعيد وفخور بك.
يبدو أن المولود الجديد قد حمل معه رزقه... وزجاجة حليبه. ألف مبروك يا أبا بسام، وتهنئتي للسيدة أمل والله يرعاكم أنتم الثلاثة بعنايته.
واسلم للمحب
نزار قباني
***
أخي ياسين،
أبعث إليك بأطيب تحياتي وأشواقي راجياً أن تكون ومن معك في طمأنينة وسلام... ومتمنياً لك كل الخير وكل التوفيق وكل النجاح لمشاريعك حيث كانت. وأعيد عليك أن لا محل لليأس بالنسبة للمستقبل، فكل الناس يتزوجون وكلهم ينجبون أطفالاً. فما دمت تملك الشباب والعزيمة والطمرح فلا بد أن يفرجها الله ويوصلك إلى المحل اللائق بك.
حالت الحوادث الأخيرة دون إتمام مراسيم نقلي، ولا أزال مجمداً أنتظر فرج السماء مثلك. وفي كل يوم يزداد إيماني أكثر فأكثر بمشاريع المستقبل. وما أسعد اليوم الذي أجد فيه نفسي وراء طاولة وبضعة أوراق... ونافذة مفتوحة على الأفق... ولا أطلب أكثر من هذا...
قضية زواجي هي نكتة الأسبوع... ولا أدري من أين سقط عليك الخبر؟
اطمئن... لأنني لا أزال أكتب شعراً...
عندي لك خبران بإمكانك نشرهما في (الأحد) أو غيرها إذا وجدت ذلك مناسباً.
1 ـ نشرت جريدة " A. B. C " أكبر صحيفة تصدر في اسبانيا مقالاً افتتاحياً في صفحتها الأولى في وداعي، تحت عنوان (تحية وداع إلى شاعر عربي) بقلم الفونسو ده لاسيرنا مدير العلاقات الثقافية في وزارة الخارجية الاسبانية. وهو أديب كبير وابن أديبين من أكبر أدباء اسبانيا. والمقال له قيمة خاصة لأن جريدة " A. B. C "لم يسبق أن أفردت صفحتها الأولى لأي ديبلوماسي عمل في اسبانيا. وهذا المقال يعتبر تكريماً عظيماً للعرب جميعاً لا لي فحسب. وأبعث لك رفقاً بالمقال باللغتين الاسبانية والعربية لتتصرّف به كما تشاء. وبالإمكان تصوير صفحة الجريدة لتكون الفكرة عن المقال أكثر صدقاً.
2 ـ منحني الجنرال فرانكو رئيس الدولة الاسبانية منذ أسبوع وسام الاستحقاق المدني الاسباني تقديراً للجهود التي بذلتها خلال عملي في مدريد في حقل الثقافة العربية الاسبانية. وهذا الوسام أعتبره تكريماً لأدب بلادي وتقديراً للشعر العربي الذي استطاع أن يخرج من حدوده الإقليمية إلى الآفاق العالمية... والضمير العالمي الذي لا يعرف مع الأسف شيئاً عنا وعن أدبنا.
قرأت اليوم في مجلة الأحد قصيدتي (تمزيق)... وفيها غلطتان شنيعتان... (الوسادة بدل الوساد. وغير السجائر عوضاً عن غيم السجائر)... إذا كنت أنت مرسل القصيدة... فأرجو إنقاذ ما يمكن إنقاذه... ولو بعد خراب البصرة...
بانتظار أخبارك السارة (لا المقطبة) أرجو لك وللسيدة أمل وللعزيز بسام أسعد الأيام.
واسلم للمحب
نزار قباني
***
عزيزي ياسين،
لا تؤاخذني على صمتي الطويل. فما صمتي بيدي... ولا كلامي بيدي. وإنما هي حالات تعتري المرء فلا يدري متى يقول ومتى لا يقول. وأنت أعرف مني بمثل هذه المناخات التي تشبه المناخات الاستوائية...
أعيش في هذه الأيام في حالة رحيل. فقد صح عزمي على العودة كما صح عزمي على بيع الوظيفة وبيع عبوديتها... بأي ثمن. حقائبي حولي تنتظر الإبحار، وفي وجداني شعور حلو يشابه شعور ملاحي السفن قبل رفع مراسيهم.
في ذهني أشياء كثيرة، وفي صدري رغبات يكاد الصدر يضيق بها من فرط طموحها. لا أخاف كثيراً من شكل الغد، المهم أن نتصوّر شكل الغد وأن نصنع صورته كما نريد.
هذا كلام ليس للنشر في أي مكان. فأرجو أن تحتفظ به بيني وبينك حتى تسمح الظروف بنشره أو بالتحدث به.
لا تزال (الأحد) تصلني باستمرار وقد قرأت فيها قصيدتي (غرناطة) وأظن أن لك يداً في نشرها وتقديمها. كما قرأت في النهار رسالتي التي بعثتها إليك عقب عودتي من المغرب. فألف شكر على عاطفتك واهتمامك.
وأنت ما هي أخبارك في هذه الأيام؟ هل استقر بك المقام نهائياً في دمشق، وهل وجدت عملاً مناسباً يضمن لك الاستقرارين المادي والنفسي. أعتقد أن الظروف أصبحت أحسن مما كانت عليه كما أصبحت فرصة عودتك إلى وزارة الثقافة أو الإعلام أكبر.
مهما يكن من أمر فإني على يقين من أن إمكانياتك سوف توصلك إلى المكان الذي يليق بك. فلا تتعجل الأمور كما كنت تفعل في بيروت، لأنه ثبت أنك تستطيع أن تفتح طريقك في كل مكان تكون فيه.
إذا سارت الأمور بشكل طبيعي، فسوف أكون في دمشق في أوائل شهر نيسان. فإلى أن نلتقي أرجو لك دوام السعادة والتوفيق. والله يرعاك وأسرتك الصغيرة أخي العزيز.
نزار قباني
***
عزيزي ياسين،
محبتي وأشواقي. وكل عام وأنت بخير، مع العزيزة أمل وكل أفراد العائلة بما في ذلك العروس الجديدة...
وإياك أن تعترف بلقب (جد)... لأنني كذبته في مؤتمر صحفي منذ خمسة عشر عاماً... وصدَّق الناس كذبتي... واعترفوا بعذريتي...
فيما يتعلق بزيارتي للندن... كانت زيارة عمل خاطفة ليومين، لم أتصل فيها بأحد. لأنني جئت من أجل مهمة محددة. فلا تعتب عليّ.
يظهر أن قصيدة (أطفال الحجارة) لعبت دوراً كبيراً في داخل الأرض المحتلة... فقد وصلتني ترجمة أخرى لها في جريدة (جيروزاليم بوست) بالانكليزية بالإضافة إلى ترجمة (يديعوت أحرونوت) العبرية... كما كتب إليّ الصديق الشاعر سميح القاسم، يخبرني أن القصيدة نشرت عدة مرات في مدن الضفة الغربية، ولاقت تجاوباً خطيراً... فالحمدلله. فماذا يطلب الشاعر أكثر من أن يكون الناطق الرسمي باسم الجرح العربي؟؟
بخصوص الحوار مع جريدة (النهار) أنا حاضر... لأن لبيروت مكانها الأبدي في القلب. أما الاستفتاء الذي حدثتني عنه فلا أجد شهية للمشاركة فيه، فأرجو قبول اعتذاري. والبركة في بقية المشاركين.
سأسافر في الأسبوع القادم إلى القاهرة للمشاركة في الاحتفالات الشعرية التي تقام على هامش معرض الكتاب الدولي في القاهرة. وسأعود في أوائل شباط إن شاء الله. فأرجو أن تبعث لي بأسئلة (النهار) في الأسبوع الأول من شباط.
أشكرك على رسالتك. وأتمنى لك عاماً سعيداً يحمل إليك السلام
والطمأنينة.
واسلم للمحب
نزار

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى