محمد عارف مشّه - البطل في مجموعة العنكبوت / أكرم الزعبي

العنكبوت ، مجموعة قصصية إصدارات جرش مدينة الثقافة الأردنية / عن وزارة الثقافة الأردنية عام 2015 ، تقع المجموعة في إحدى وتسعين صفحة من القطع المتوسط ، تشتمل على ( 13 ) قصة هي على التوالي ( الملك ، السر ، محبة ، إيناشا ،العنكبوت ، الجدة ، التراب ،الناموس ، غيبوبة ، وسوسة ، حياة ، القلم ، الماموغرام )
تتميز الجملة في قصص الزعبي بالجملة القصيرة ، والإيقاع الموسيقي السريع ، ترتدي ثوب الشاعرية في جملها ، وهو الشاعر صاحب الباع الطويل في دواوينه الشعريه ، والقريبة في هيكلها الفني وثوبها الرومانسي بعضها من بعض ، لكنه لم يترك المتلقي أن يذهب للنهر ويعود ظامئا ، بل مرتويا ويحمل زادا من الماء والغذاء لسفره الطويل في صحارى جفاف المشاعر ، ويحمل فكرة وموضوعا .
تتراوح المجموعة القصصية في موضوعات مختلفة ، بعضها يتطرق لموضوعات عادية ، يراها القارئ في حياته اليومية ، ولا يعير لها اهتماما ، فيلتقطها الزعبي بحرفية عالية ، ويحولها لغرائبية الواقع وفانتازيته ، إلى فانتازيا الواقع وغرائبيته ، فيحار القارئ ما بين الأمرين ، حين تواجهه قصص أخرى بغرائبية الأحداث والشخوص معا ، فيجد القارئ أن الأحداث قريبة منه ، وشخوص القصص قريبة منه ، إلى الحد الذي يمكن أن يشك ، أن الزعبي يقصده بالذات ..

الزعبي حدد في قصة الجدة موقفا واضحا ، في جدليته مع جدة البطل التي طلبت من حفيدها كتابة قصة الجدة ، بنفس الأحداث التي ترويها له الجدة ، وفي كل مرة يحاول فيها الحفيد كتابة قصة ترضي جدته ، يجيء رفض الجدة لما كتب ، وتقول له في كل مرة : لا تكذب ، وفي نهاية الأمر يترك الزعبي القارئ ليختار أي الاسلوبين يجب أن يكتب الحفيد قصة الجدة . هل يكتبها كما تريدها الجدة بلا كذب !! ، وينقل الأشياء والأحداث كما تراها الجدة ، أم كما يراها هو ؟ . فتجيء الاجابة من خلال باقي سياق القصص .
ففي الماموغرام ، كانت الحكاية العادية ، لكنه تجاوزها في الصراعات السيكولوجية التي ثارت في شخصية البطلة ، واستطاع الزعبي نقل الصراعات الداخلية بحرفية ، لمصابة تخشى أن تكون قد أصيبت بالسرطان ، وخوفها من قطع ثديها ، وهي المتفاخرة بجمال ثدييها ، فتثير غيرة النساء . كما أنه في قصة
( محبة ) ، فهي قصة تقليدية من حيث الفكرة . فرحان رجل متقاعد من عمله ، لا يجد عملا بعد تقاعده ، يعيش الفقر ويتفرغ للعبادة ، وأحيانا يصبح إماما للمسجد في قريته ، حين يغيب الامام الأصلي ، يتصدّق عليه أهل الخير ليسدد نفقاته ونفقات أسرته .
الأسلوب مشوق وجميل وهادئ ، يقابله صدفة رجل وامرأة لا ينجبان في سيارة فارهة ، يبحثان عن ( حجّاب ) ليساعدهما على الانجاب صدفة يتوافق اسم الحجّاب ( فرحان ) مع اسمه . ليتحول الزعبي بالقارئ من الرتابة المشوقة المخدّرة ، إلى البعوضة التي تئز في أذن النائم فتوقظه من غفوته ، هنا تكون الغارئبية التي يكسر فيها الزعبي حاجز التوقع عند المتلقي ، ليكتشف أن فرحان مخدوع وساذج أيضا ، وينام على حجاب وضعته له زوجته في الفراش القديم ، كي يحبها ولا يعصي لها أمرا ، مثله مثل من قام بخداعهم من قبل .

البطل في قصص الزعبي :
ينبهر المتلقي حين يصدمه الزعبي ، في قصته الأولى بعنوان ( الملك ) ، حيث يعتقد القارئ أن الكاتب سيتحدث في موضوع سياسي ، فيترك المتلقي في التحليل ، لاهث الأنفاس ، راكضا وراء الملك لمعرفة حتمية نهاية حياته بالموت ، فيجد أن القصة تتحدث عن ذكر النحل ، الذي يصارع من أجل الوصول إلى الملكة في موسم الإنجاب ، وهو يعلم ـ أي القارئ ـ حتمية الموت لذكر النحل بعد تلقيح الملكة ، وهكذا قد يسترخي المتلقي ويرتاح من عناء الركض خلف النتيجة الحتمية بالموت ، لكن ذكر النحل سرعان ما ينقض على استرخاء المتلقي مع الغيوم السوداء من ذكور النحل ، ليجد أن الملك لم يمت ، فيكون كسر حاجز التوقع لدى المتلقي من جديد ، ليعرض له ( الملك السوبر ) الذي لم يمت ، وقد اختارته الملكة ذكرا لها . فيكون السؤال المشروع هل قصد الكاتب في قصة الملك رومانسية الحب بأسلوب معاكس ، حيث أن الحب قد يكسر قوانين الحياة ، أم عمد إلى تحويل الواقع لفنتازيا ؟ أم لرمزية مغرقة ؟ وهل قصد لأنسنة ذكر النحل أم ( حيونة ) الإنسان في شهوته المادية ؟.. القصة مشرّعة على كل الاحتمالات ، كما في قصته ( القلم ) ، حين حوّله لصاحب إرادة حرّة ، يتحرك وقتما يشاء ، فيدخل من خلاله إلى عالم إبليس والجن في قصتين .

أكرم الزعبي نجح في مجموعته القصصية هذه ، واستطاع أن يحوّل القارئ العادي ، والذي يبحث عن متعة القراءة والاسترخاء ، لقارئ يعتدل في جلسته ، ويقرأ القصة أكثر من مرة ، كما وكان نجاحه أيضا في بعث القلق ، والبحث عن الحل لكل قصة ، فترك خواتيم قصصه مفتوحة على كل الاحتمالات .
ـــــــــــــــــــ
أكرم الزعبي شاعر وقاص أردني / رئيس رابطة الكُتّاب الأردنيين .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى